منذ الحرب العالمية الأولى، مثّل التزوّد بالنفط نقطة ضعف الجيش الألماني. فمع دخول الأميركيين الحرب عام 1917 وهيمنة البحرية البريطانية على جانب هام من المسالك والبحار، حُرم الألمان من التزوّد بالنفط الأميركي الذي مثّل 61 من الإنتاج العالمي. ومع صعود أدولف هتلر عام 1933 وحصوله على منصب المستشار وانفراده بالحكم عقب رحيل الرئيس باول فون هيندنبورغ عام 1934، وجّه النازيون نظرهم نحو النفط الروماني لعلاج أزمة الطاقة وتحريك دباباتهم وطائراتهم وسفنهم بحرب مستقبلية. ومنذ العام 1938، عمد أدولف هتلر لإزاحة كل من فرنسا وبريطانيا من رومانيا عن طريق فرض الهيمنة الألمانية على مصادر طاقتها واقتصادها.
مهمة صعبة
وفي خضم الحرب العالمية الثانية، وفّرت حقول نفط منقطة بلويشت (Ploiesti) الرومانية ما يقارب 30 بالمائة من مستلزمات ألمانيا الطاقية التي احتاجتها الفيرماخت (Wehrmacht)، أي القوات المسلحة الألمانية، لتحريك آلياتها العسكرية فقد قدّر إنتاج آبار بلويشت السنوي بحوالي 8.5 مليون طن. وبسبب ذلك، لقّبت هذه المنطقة من قبل الحلفاء بمحطة وقود هتلر.
في الأثناء، كان كبار القادة العسكريين للحلفاء على علم مطلق بأهمية نفط بلويشت لألمانيا حيث كانت ضربة جوية دقيقة ضد هذه المنطقة قادرة على حرمان الجيش الألماني من جانب هام من مصادر طاقته وشل حركته.
إلى ذلك، مثّلت عملية استهداف حقول نفط بلويشت مهمة صعبة. ولتأمين مصادر النفط هنالك، وضع الألمان أعدادا كبيرة من البطاريات المضادة للطائرات من نوع فلاك (Flak) وزوّدوا المطارات القريبة بأسراب من الطائرات، كما شيّدوا جدرانا من الخرسانة الثقيلة حول المصافي وجهّزوا المكان بما يزيد عن 500 رجل إطفاء.
فشل استراتيجي
وأملا في تحقيق طموحهم، وضع الحلفاء خطة الموجة العارمة. وبموجبها، كان من المقرر أن تقوم قاذفات قنابل أميركية من نوع بي 24 ليبراتور (B-24 Liberator) بتوجيه ضربة جوية لمنطقة بلويشت النفطية.
مطلع آب/أغسطس 1943، غادرت نحو 177 قاذفة قنابل أميركية بي 24 ليبراتور منطقة بنغازي الليبية. وقد اتجهت الطائرات الأميركية في البداية للتحليق على علو منخفض لتجنب الرادارات الألمانية. لكن بسبب خروج بعضها عن المسار المحدد نحو رومانيا، اضطرت الطائرات الأميركية لفتح واستخدام الراديو مما أفقدها عامل المفاجأة وجعلها مكشوفة للألمان.
ومن ضمن 177 قاذفة قنابل، تمكنت 167 من بلوغ بلويشت لإلقاء قنابلها. وفي الأثناء، تصدت الطائرات والدفاعات الجوية الألمانية لعملية القصف وأسفرت عن إسقاط عدد كبير من قاذفات القنابل الأميركية. فعلى حسب تقارير تلك الفترة، عادت 88 قاذفة قنابل بي 24 ليبراتور لقواعدها من أصل 177 كانت قد انطلقت من بنغازي وشاركت بالعملية. وقد انتهى هذا القصف حينها بمقتل 310 طيارين وأسر أكثر من 150 آخرين.
في المقابل، ألحق القصف الأميركي أضرارا بالمنطقة حيث تقلّص إنتاج حقول نفط بلويشت واستقر عند 40 بالمائة مقارنة بما كان عليه سابقا. وخلال بضعة أشهر، عاد الإنتاج لشكله العادي عقب نجاح الألمان في إصلاح مصافي تكرير النفط ليعرف بذلك الهجوم الأميركي فشلا استراتيجيا ذريعا لعجزه عن تحقيق هدفه. وقد انتظر الحلفاء حينها شهر آب/أغسطس 1944 لوضع يدهم على نفط بلويشت عقب دخول القوات السوفيتية للمنطقة.