يوم 22 حزيران/يونيو 1941، أطلق الألمان العنان لعملية بربروسا (Barbarossa) واضعين بذلك حدا لاتفاقية عدم الاعتداء الموقعة مع الجانب السوفيتي خلال شهر آب/أغسطس 1939. فعقب تفرغه من عملية غزو فرنسا، وافق أدولف هتلر على نقل أعداد كبيرة من القوات الألمانية نحو الشرق استعدادا لفتح جبهة جديدة ضد الاتحاد السوفيتي.
ومع بداية عملية غزو الاتحاد السوفيتي، شنت الفيرماخت (Wehrmacht)، القوات المسلحة لألمانيا، هجوما خاطفا دون إعلان حرب كبّدت خلاله السوفييت خسائر جسيمة حيث وقع منذ الأيام الأولى للغزو ما يزيد عن 400 ألف جندي سوفيتي أسرى بقبضة الألمان. وبحلول شهر تموز/يوليو 1941، تواجدت القوات الألمانية على مقربة من مدينة سمولنسك (Smolensk) التي كانت تبعد حوالي 350 كلم عن العاصمة موسكو.
أكبر تجمع للقوات السوفيتية على الجبهة الشرقية
بمعركة أومان (Uman) غربي نهر دنيبر (Dniepr)، اكتسح الجيش الألماني، بقيادة الجنرال غيرد فون رونتشتيت (Gerd von Rundstedt)، ما بين يومي 15 تموز/يوليو و8 آب/أغسطس 1941 القوات السوفيتية وألحق هزيمة قاسية بجنود الجيشين السادس والثاني عشر السوفيتيين.
وبعد هذه المعركة التي أسفرت عن مقتل وإصابة 100 ألف جندي سوفييتي واعتقال حوالي 103 ألف آخرين، وجّه الألمان أنظارهم نحو الجنوب وتحديدا لمدينة كييف التي التف حولها الجيش الأحمر السوفيتي مشكلا بذلك جيوبا دفاعية محصنة بالداخل الأوكراني. من ناحية ثانية، مثّلت هذه القوات السوفيتية، التي قادها المارشال سيميون بوديوني (Semion Boudienny)، مشكلة حقيقية للفيرماخت باعتبارها أكبر تجمّع لقوات الجيش الأحمر على الجبهة الشرقية.
وأمام إصرار عدد من جنرالاته على مواصلة الطريق نحو العاصمة موسكو، فضّل القائد النازي أدولف هتلر توجيه قواته نحو كييف وجنوب أوكرانيا بهدف إحكام قبضته على المنطقة وإنهاء الوجود السوفيتي بها. أيضا، تحدّث هتلر عن أهمية السيطرة على أوكرانيا بشكل كامل لامتلاكها أراض خصبة مؤكدا على ضرورة الحصول على القمح الأوكراني لتوفير الحاجيات الغذائية للجيش والشعب الألماني.
600 ألف معتقل
وتنفيذا لأوامر أدولف هتلر والقيادة العسكرية الألمانية، انفصل فيلق المدرعات الثاني وفيلق المشاة الثاني عن جيش الوسط وانطلق لدعم جيش الجنوب الألماني الذي واجه مصاعب لتطويق السوفييت. وبشكل سريع ومثير للدهشة، انطلقت هذه القوات الألمانية، التي كانت تابعة لجيش الوسط، بقيادة الجنرال فون كلايست شمالا وعبرت نهر دنيبر لتبلغ مناطق تشيركاسي (Cherkasy) وكريمنشوك (Kremenchuk) قاطعة بذلك الخطوط الخلفية للقوات السوفيتية.
يوم 16 أيلول/سبتمبر 1941، التقت قوات فون كلايست بقوات الجنرال الألماني الآخر هانز غودريان (Heinz Guderian) قبل أن تبلغ لوخفيتسيا (Lokhvytsia) على بعد 195 شرق كييف. وبسبب ذلك، حوصرت قوات المارشال السوفييتي بوديوني ووجدت نفسها معزولة عن بقية المناطق السوفيتية.
على مدار أيام، قصف الألمان القوات السوفيتية المحاصرة والمنهكة بالمدافع والطائرات وألحقوا بها خسائر فادحة. وبعد نحو 10 أيام من المعارك الدامية، استسلم يوم 26 أيلول/سبتمبر 1941 بقايا الجيش السوفيتي شرقي كييف.
مثلت هذه العملية العسكرية الألمانية قرب كييف أكبر عملية تطويق عسكري عرفها التاريخ. فإضافة للمدافع والدبابات التي سيطروا عليها، تحدّث الألمان عن نجاحهم في أسر نحو 600 ألف جندي سوفيتي وهو الرقم الذي شكك فيه العديد من المؤرخين الذين تحدثوا عن تواجد عدد كبير من المدنيين الفارين ضمن هذه القوات مؤكدين في المقابل أن عدد الجنود الأسرى السوفييت قد يتراوح بين 300 و400 ألف عسكري توفي كثير منهم فيما بعد داخل المعتقلات الألمانية بسبب المعاملة السيئة والنقص الحاد في الغذاء.