بناء اقتصاد المستقبل القائم على المعرفة: مستقبل المشهد البحثي في دولة الإمارات

كانت الجامعات خلال الألفية السابقة في قلب التقدم الحضاري، وما زال الوضع مستمرًا اليوم. وتعد الجامعات محرك أي اقتصاد حديث، وتوفر مساحة للبحث الأكاديمي والعلمي الذي يؤثر على أسلوب حياتنا والعالم من حولنا. إذ تساعد الأبحاث المتطورة الاقتصادات على البقاء في المنافسة، وتشكل العمود الفقري لأي اقتصاد فكيف سيبدو عالمنا بحلول العام 2050؟

وما الأدوية واللقاحات التي ستكون بحوزتنا؟ وهل ستكون قطارات هايبرلوب والسيارات ذاتية القيادة في كل مكان؟ وهل سنجد مصادر جديدة للطاقة المتجددة؟ كلها أسئلة ستحددها قدرتنا على تعزيز البحث العلمي.

أصبح كل من القطاع الحكومي والقطاع الخاص من أصحاب المصلحة الرئيسين في مشهد البحث العلمي، إذ يغذي ابتكارات المنتجات الجديدة للسوق بصورة مباشرة. وعلى مستوى دولة الإمارات تدعم شبكة راسخة مؤلفة من 79 مؤسسة حكومية وخاصة للتعليم العالي جهود الدولة في سعيها لتصبح اقتصادًا متقدمًا.

وتقدم مراكز الأبحاث الأخرى في الدولة، ومنها الهيئة الوطنية للبحث العلمي، ومركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، دعمًا بحثيًا إضافيًا. وتوفر الهيئة الوطنية للبحث العلمي أيضًا إمكانات إضافية في مجال المنح التنافسية والمراجعة من الأقران للأفراد وفرق البحث والمعاهد والشركات على المستوى الوطني.

وأُطلِق حديثًا مركز محمد بن راشد للأبحاث الطبية، وهو أول مركز مستقل متعدد التخصصات للأبحاث الطبية الحيوية في الإمارات العربية المتحدة.

وتسهم كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية، وهي مركز أبحاث حكومي، في استكمال هذا النظام البيئي البحثي المتنوع، بالتعاون مع مختلف كيانات القطاع الخاص وإدارات البحوث الحكومية وغير الحكومية الأخرى.

واليوم يتغير عالم البحث العلمي، ويتغير معه المشهد بأكمله، من مصادر التمويل إلى كيفية نشر البحوث، بفضل التقنيات الجديدة وإمكانية الوصول المتزايدة إليها، وبسبب متطلبات البحث المتغيرة.

ولم يعد البحث مقتصرًا على الجامعات والحكومات، ولم يعد بالإمكان أن تطول مهل البحوث في بيئة اليوم سريعة التغير، لا سيما في ظل التحديات الكبرى، ومنها جائحة كوفيد-19، وتوقعات إجراء قسم متزايد من أبحاثنا بواسطة الذكاء الاصطناعي. ونذكر في النقاط التالية بعضًا من التوقعات المستقبلية لمشهد البحث العلمي:

توسيع البحث ديمقراطيًا

لم يعد البحث مقتصرًا على الجامعات وحدها، وسيتيح توفر بيانات الوصول المفتوح لمختلف الأفراد الوصول إلى مجموعات البيانات السابقة والجديدة. وسيتيح السماح للأشخاص بمتابعة اهتماماتهم ابتكار بحوث جديدة وقيِّمة محتملة. وهذا يعني أن الابتكار لم يعد يقتصر على دول معينة، وقد يأتي من أي مكان ويسرّع معدل اكتشافاتنا.

وسيحتم تغير نماذج النشر التقليدية على بعض الشركات إعادة التفكير في طريقة عملها. واليوم يتيح عدد متزايد من الباحثين للآخرين الاطلاع على أعمالهم قبل إجراء مراجعة الأقران، ما قد يساعد على تسريع البحث، وخاصةً في مجال الطب. وقد يؤثر هذا أيضًا على ناشري البحوث التقليديين.

البحث وتعلم الآلة

يُتوقع أن تحدث التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة ثورة في مجال البحث. ويُستخدَم تعلم الآلة اليوم في البحث عن لقاح لفيروس كورونا المستجد، إذ يتيح استخراج البيانات المخزنة، والبحث عن المؤلفات الحالية التي قد تكون مرتبطة بالمرض، وتحليل الحمض النووي وبنية الفيروس، وتحديد الأدوية التي قد تسهم في علاج المرض.

ويُتوقع أن يصبح الذكاء الاصطناعي قادرًا على إجراء التجارب لوحده في المستقبل بفضل التطور التقني، كاستكشاف جميع الطفرات المحتملة للحمض النووي البشري. وسيستطيع الذكاء الاصطناعي إجراء الاكتشافات وتحليلها واختبارها بسرعات أعلى بكثير مما يتيحه العقل البشري، وخاصة في مجال الطب.

الابتعاد عن الأبحاث الأوروبية

أُنشئت الجامعات الأولى على أراضٍ أوروبية، وكانت أسس العصر الحديث والدولة القومية. ولطالما كانت اللغة الإنجليزية من أكثر اللغات انتشارًا، إذ هيمنت أوروبا ومن بعدها الولايات المتحدة الأمريكية على المشهد البحثي، لكن الهيمنة المتزايدة لآسيا في النظام العالمي تتحدى هذا الوضع الراهن.

ودفعت التنمية الاقتصادية لآسيا بيئة البحث فيها، وقد تصبح آسيا مركز الابتكار العالمي. ويجب أن يتحرك العالم نحو نهج أكثر تعاونًا لمصلحة البشرية، لكن الهيمنة المتزايدة للشرق قد تفيد البحث عبر تقديم وجهات نظر جديدة للمشكلات القديمة عند البحث في مجالات جديدة أهملتها العدسة الغربية. وقد تشكل هذه فرصة لدولة الإمارات العربية المتحدة لتلعب دورًا مهمًا في هذه التغييرات.

مشهد البحث العلمي في دولة الإمارات

وتتقدم دولة الإمارات العربية المتحدة اليوم لتصبح مركزًا رائدًا للبحث والابتكار ولتستفيد من هذه الاتجاهات. وتطوِّر الدولة نظامًا بيئيًا متينًا للتعلم لدعم اقتصادها القائم على المعرفة، بفضل استثمارات استراتيجية في مجال التعليم في مختلف مراحله.

وأنشأت دولة الإمارات العربية المتحدة مشهدًا مثاليًا للشراكات بين القطاعين العام والخاص في مجالات بحثية متعددة. وبالإمكان الاستمرار في تسخير وجود العلامات التجارية الرائدة عالميًا لدعم بيئة البحث. ويجب ألا يتركز البحث على ابتكارات المنتجات بصورة مفرطة، لأن العلم لا يقتصر على بيع المنتجات المستقبلية في السوق، ومن الضروري ألا تطغى المصالح الاقتصادية قصيرة المدى على العلم.

وكي تتقدم دولة الإمارات نحو طليعة المشهد البحثي العالمي، لا بد من الاستمرار في تعزيز تطويرها لمواردها البشرية الوطنية لتنتج أذكى عقول القرن. ويجب أن تركز هذه العقول بالضرورة على تعلم العلوم والتقنية والهندسة والرياضيات، واتباع مسار تعلم مستمر، ويجب أن يظل هذا أولوية حكومية.

The post بناء اقتصاد المستقبل القائم على المعرفة: مستقبل المشهد البحثي في دولة الإمارات appeared first on مرصد المستقبل.

Original Article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

%d مدونون معجبون بهذه: