مطلع القرن العشرين، وقعت كل من روسيا والصين اتفاقية بيكين لترسيم جانب من الحدود المترامية الأطراف بينهما.
ومع نجاح الثورة البلشفية سنة 1917 وظهور الاتحاد السوفيتي وإعلان قيام جمهورية الصين الشعبية على يد ماو تسي تونغ بعد نحو 3 عقود، اتجه الطرفان بادئ الأمر لتجنب الحديث حول مسألة الحدود. فخلال تلك الفترة، احتاجت جمهورية الصين الشعبية، حديثة النشأة، للدعم السوفيتي لضمان بقائها والحصول على السلاح والتكنولوجيا.
لكن مع وفاة جوزيف ستالين سنة 1953 وإعلان بداية سياسة اجتثاث الستالينية على يد نيكيتا خروتشوف، تدهورت العلاقات الثنائية بين موسكو وبكين لتعود الأزمة الحدودية للواجهة مجددا.
تصاعد حدة التوتر
أواخر الخمسينيات، شهدت العلاقات الصينية السوفيتية موجة من التوتر. فعام 1958، حاول الاتحاد السوفيتي نشر منظومات رادار قرب الحدود الصينية شرقا لمساعدة الغواصات السوفيتية أثناء إبحارها بالمحيط الهادئ. وفي المقابل، طالبت السلطات الصينية موسكو بدعمها للحصول على السلاح النووي. وقد جاءت هذه المطالب الصينية لتزيد من قلق خروتشوف الذي تخوّف من حصول جيرانه الشيوعيين على مثل هذا النوع من الأسلحة.
وعقب الزيارة التي قام بها لواشنطن عام 1959، أثار خروتشوف غضب ماو تسي تونغ الذي وصفه بالعميل للغرب الرأسمالي. ومع اندلاع الأزمة الكوبية، اتجهت جمهورية الصين الشعبية لاستغلال الموقف وعمدت لاحتلال جانب من أراضي الهند. وفي خضم هذه الأزمة، اصطف الاتحاد السوفيتي لجانب الهند وأدان التحركات الصينية مثيرا بذلك قلق بكين التي أعلنت رسميا عن نهاية صداقتها مع موسكو.
ومع تصاعد وتيرة الخلاف، أعاد ماو تسي تونغ الخلاف الحدودي للواجهة حيث طالب الزعيم الصيني باستعادة جزيرة زينباو (Zhenbao) وأعلن استعداده لاحتلال سيبيريا ليبدأ على إثر ذلك الطرفان بتكديس القوات على الحدود استعدادا لحرب محتملة.
الدبابة بقبضة الصين
مطلع شهر آذار/مارس عام 1969، شهدت الحدود السوفيتية الصينية مناوشات أسفرت عن سقوط عشرات القتلى. وتعرض مواطنون صينيون للتعذيب والقتل، هاجم جنود تابعون لجيش التحرير الشعبي الصيني قوات سوفيتية عند جزيرة زينباو وتسببوا في مقتل نحو 70 منهم. وكرد على ذلك، شن السوفييت بداية من منتصف آذار/مارس حملات قصف ضد مواقع صينية بالمنطقة وأرسلوا فرقة، مدعومة بأربعة دبابات تي 62 (T-62) الحديثة، لمواجهة الصينيين وطردهم من المواقع القريبة من زينباو.
أثناء عبورها لأحد الوديان الضيقة، انفجرت إحدى الدبابات السوفيتية بسبب لغم أرضي. وبدل سحبها، فضّلت القوة السوفيتية الانسحاب من الموقع وترك الدبابة تي 62 المعطلة عالقة بالجليد.
بموافقة الصينيين، حلّ السوفييت خلال اليوم التالي بالقرب من الدبابة تي 62 العالقة بالجليد لاستلام جثث قتلاهم داخلها. ومع محاولتهم سحب الدبابة تي 62 تعرض السوفييت لوابل من القذائف الصينية التي أجبرتهم على العودة أدراجهم. بحلول يوم 21 آذار/مارس، أرسل الجيش السوفيتي فرقة مختصة لتفجير ما تبقى من الدبابة العالقة. ومع ملاحظتهم للتواجد السوفيتي، قصف الصينيون المواقع القريبة منها لتتراجع بذلك القوة السوفيتية مرة أخرى دون أن تنجز مهمتها.
مستغلين ذوبان الجليد مطلع شهر نيسان/أبريل، قصف السوفييت موقع الدبابة تي 62 العالقة متسببين في غرقها بالنهر. ومع تفاؤلهم بنتائج القصف، تخلى السوفييت عن الدبابة الغارقة وانسحبوا من المكان.
ومع رحيل السوفييت، أرسل الصينيون أعدادا كبيرة من الجنود وتمكنوا بعد معاناة شديدة من سحب الدبابة السوفيتية من قاع النهر لينقلوها فيما بعد نحو مصنع الدبابات بليشوان (Lichuan).
هذه العملية أثارت قلق موسكو التي عبرت عن خوفها من حصول بكين على واحدة من أحدث دباباتها. وأمام هذا الوضع، قاد السوفييت منتصف أيار/مايو عملية فاشلة حاولوا من خلالها، اعتمادا على أحد العملاء، تفجير الدبابة تي 62 بمصنع ليشوان.