ما بين عامي 1904 و1905، تابع العالم عن كثب أطوار الحرب اليابانية الروسية التي اندلعت بسبب تضارب الأطماع التوسعية بين الروس واليابانيين حول مناطق منشوريا وشبه الجزيرة الكورية. وطيلة السنوات التي سبقت الحرب، تمكّنت إمبراطورية اليابان من تحديث جيوشها تزامنا مع إصلاح ميجي (Meiji) ونهاية أكثر من قرنين ونصف من حكم شوغونية توكوغاوا (Tokugawa shogunate) حيث نجح اليابانيون حينها في إنشاء جيش بحرية حديث وبرزوا كقوة إقليمية صاعدة بأقصى شرق آسيا.
ومع بداية النزاع، توقّع الجميع نصراً روسياً سريعاً بفضل امتلاك الأخيرة لسلاح بحرية متطور وموارد بشرية وطبيعية فاقت بكثير تلك التي امتلكها اليابان. لكن بعد نحو عام وسبعة أشهر، جاءت نتيجة الحرب لتثير ذهول الجميع حيث ألحق اليابانيون هزيمة مذلة بالروس وأجبروهم على قبول جانب هام من شروطهم باتفاقية سلام بورتسموث (Portsmouth) التي لعب الرئيس الأميركي ثيودور روزفلت دوراً هاماً في إنجاحها. وعلى إثر هذه الهزيمة، نُعتت الإمبراطورية الروسية حينها بـ "عملاق رجلاه من صلصال" تزامناً مع تخوّف فرنسا من تحالفها مع الروس الذين قدموا أداء هزيلاً ضد اليابانيين.
وفي خضم هذه الحرب، تعرضت البحرية الروسية لإهانة غير مسبوقة بتاريخها على يد اليابانيين. فخلال الأشهر الأولى من النزاع، حاولت البحرية اليابانية بسط نفوذها بمناطق بحر اليابان والبحار المطلة على الصين إلا أنها اصطدمت بمقاومة شديدة من سفن البحرية الروسية التي تمركزت في فلاديفوستوك (Vladivostok) وبورت آرثر (Port Arthur).
مطلع العام 1905، وقعت قاعدة بورت آرثر، بعد حصار استمر لأسابيع، في قبضة الجنود اليابانيين بقيادة الأميرال هيهاتشيرو توجو (Heihachiro Togo) وبعدها بشهرين فقط تلقى الروس خلال شهر مارس هزيمة أخرى بمنطقة شنيانغ (Shenyang) على يد قوات المارشال الياباني أوياما إيواو (Ōyama Iwao).
وأملاً في استعادة السيطرة على الأمور، وافق القيصر الروسي نيقولا الثاني بعد مشاورات مع أفراد الحكومة على إرسال أسطول البلطيق الروسي بقيادة الأميرال زينوفي روجستفنسكي (Zinovy Rozhestvensky) لمؤازرة سفن البحرية الروسية بالمحيط الهادئ وتخريب الأسطول الياباني بقيادة الأميرال هيهاتشيرو توجو.
وتكوّن أسطول البلطيق الروسي من عشرات السفن الحربية التي كان من ضمنها 9 مدمرات إضافة لنحو 8 بوارج حربية، من بينها 4 حديثة من درجة بورودينو (Borodino) التي امتلكت مدافع بلغ عيار بعضها 305 ملم.
وقضى أسطول البلطيق كامل فترة صيف عام 1904 في الاستعداد لهذه الرحلة الطويلة التي ستقوده نحو مضيق تسوشيما (Tsushima) الذي يبعد عشرات آلاف الكيلومترات حيث كان من المقرر أن تقوم السفن الروسية بقيادة روجستفنسكي بالمرور عبر جنوب أفريقيا قبل الاتجاه لموقع المعركة ضمن رحلة طويلة قد تستغرق شهوراً عدّة.
منتصف شهر أكتوبر 1904، غادر أسطول البلطيق منطقة ليبايا (Liepaja)، بعد تحية القيصر، صوب مضيق تسوشيما. وفي طريقه، كاد هذا الأسطول الروسي أن يتسبب في حرب مع بريطانيا بسبب مهاجمته بشكل خاطئ لقوارب بريطانية. مع بلوغه لمدغشقر، اتجه الأميرال روجستفنسكي للعودة أدراجه نحو روسيا عقب سماعه لخبر سقوط بورت آرثر قبل أن يتراجع عن ذلك إثر حصوله على معلومات تفيد بإرسال القيصر نيقولا الثاني لمزيد من القطع البحرية لدعمه.
مطلع شهر مايو 1905، بلغ الأميرال روجستفنسكي بحر الصين واتجه لعبور مضيق تسوشيما لبلوغ منطقة فلاديفوستوك التي تمركزت بها بقية قطع أسطول المحيط الهادئ الروسي.
من جهتها، انتظرت سفن الأميرال الياباني توجو نظيرتها الروسية قرب سواحل بوزان (Pusan) بشبه الجزيرة الكورية. ويوم 27 مايو 1905، أطلق اليابانيون العنان لهجوم كبير، استمر يومين، ضد أسطول البلطيق الروسي الذي كان منهكاً من رحلة استمرت لنحو 7 أشهر.
بفضل سفنهم التي تميّزت بسرعتها وقوة نيران مدافعها، تمكّنت البحرية اليابانية من إلحاق هزيمة قاسية بالبحرية الروسية حيث أغرقت السفن اليابانية 21 سفينة روسية، كان من ضمنها 6 بوارج قارب إجمالي وزنها 127 ألف طن. وإضافةً لخسارته لثلثي سفنه، تكبّد أسطول البلطيق الروسي خسائر بشرية فادحة حيث لقي أكثر من 5 آلاف من بحارته مصرعهم ووقع 6 آلاف آخرين في الأسر.
من ناحية أخرى، أصيب الأميرال الروسي روجستفنسكي إصابة بليغة بسبب سقوط شظايا قذيفة بالقرب منه، ووقع لاحقاً أسيراً في قبضة اليابانيين قبل أن يعود لبلده مع نهاية الحرب ليمثُل برفقة عدد من مساعديه أمام محكمة عسكرية بعد اتهامهم بالتسبب في هذه الكارثة البحرية.