وافق المجلس الوطني الفرنسي على تأميم ممتلكات الكنيسة ما بين شهري تشرين الأول/أكتوبر وتشرين الثاني/نوفمبر 1789.
كما صوّت النواب خلال الأشهر التالية على قرار حل العديد من اللجان التي انتشرت بفرنسا منذ قرون.
وانطلاقا من مثل هذه الإجراءات، حاول السياسيون الفرنسيون خلق حالة من الانسجام بين الكنيسة ومؤسسات الدولة التي مرّت بتغييرات عديدة عقب أحداث يوم 14 تموز/يوليو 1789.
ودون استشارة البابا بيوس السادس (Pius VI)، اتجه المجلس الوطني لتوفير عوائد مالية شهرية للكهنة والأساقفة واعتماد وثيقة رسمية لتنظيم الكنيسة بفرنسا، عرفت تاريخيا بالدستور المدني لرجال الدين، متجاهلين بذلك الاتفاقية الموقعة عام 1516 بين الملك فرانسوا الأول (François I) والبابا ليو العاشر (Leo X).
الدستور المدني لرجال الدين
إلى ذلك، اتجه السياسيون الفرنسيون وبناء على الدستور المدني لرجال الدين، لخلق روابط وضوابط بين الإدارة والكنيسة تم على إثرها تحديد عدد الأبرشيات لكل مقاطعة متخلين بذلك عن التنظيم السابق الذي سمح بإنشاء 135 أبرشية بكل مقاطعة.
وبالإضافة لتحديد أجور رجال الدين، أقر هذا الميثاق طريقة الانتخاب لتعيين الأساقفة حيث ينتخب الأسقف من قبل أعضاء الأبرشية دون النظر لمعتقداتهم.
وبذلك، سمح للناخبين سواء كانوا كاثوليكيين أو بروتستانتيين أو ملحدين بالمشاركة في تعيين الأسقف بالأبرشية.
كذلك، أجبر الأساقفة والكهنة على تقديم قسم جديد، بحضور مسؤولين مدنيين، بالوفاء للدولة والقانون والملك واحترام الدستور كشرط لاستلام مهامهم.
وبسبب ما تضمنه الدستور المدني لرجال الدين، فقد البابا جانبا كبيرا من نفوذه بفرنسا. وقد جاء كل ذلك ليجسد رسميا الخلاف والقطيعة بين فرنسا ما بعد 14 تموز/يوليو 1789 والدولة البابوية.
قطيعة بين البابا وفرنسا
وعقب تردد كبير، قبل الملك لويس السادس عشر يوم 22 تموز/يوليو 1790 بالدستور المدني لرجال الدين الذي أقّره المجلس الوطني.
فخلال اليوم التالي، اصطدم الملك الفرنسي برفض البابا بيوس السادس لهذا الإجراء حيث اعترض الأخير على طريقة انتخاب الأساقفة والكهنة من قبل أناس عاديين واستنكر تجاهل الكنيسة بروما وعدم استشارتها قبل عمليات التعيين.
ومع انتخابهم من قبل الناخبين، اتجه الأساقفة والكهنة للبحث عن مباركة البابا بيوس السادس الذي رفض ذلك مطالبا إياهم بالاختيار بين روما وقيم الثورة الفرنسية.
في المقابل، أجبر المجلس الوطني الفرنسي جميع الكهنة والأساقفة المنتخبين على القسم باحترام الدستور المدني لرجال الدين. ومع رفض نصف الكهنة وأغلبية الأساقفة لذلك، شهدت فرنسا أزمة سياسية وانقساما أسفر عن دوامة عنف انتهت بمقتل الكثيرين. فبينما لقّب كل من أدوا القسم برجال دين دستوريين، لقّب الرافضون برجال الدين المتمردين وتعرضوا للملاحقة والسجن والإعدام.
وتصاعدت حدة التوتر والخلاف يوم 13 نيسان/أبريل 1791، بشكل كبير بين روما والمجلس الوطني الفرنسي حيث أصدر البابا مرسوما وصف من خلاله الدستور المدني لرجال الدين بالهرطقة ليجد بذلك الملك الفرنسي، المتديّن، لويس السادس عشر نفسه منقسما بين الكنيسة والدولة.