منتصف شهر أغسطس عام 1519، أسس المستكشف والكونكيستادور الإسباني بيدرو أرياس دافيلا (Pedro Arias Dávila) مدينة بنما على ساحل المحيط الهادئ عند أضيق منطقة بالبرزخ الأميركي ضمن ما يلقبه البعض بعنق القارة الأميركية. وبفضل طريق بري ربطها بميناء كولون (Colón) المطل على المحيط الأطلسي، تحوّلت بنما لإحدى أهم النقاط بالقارة الأميركية وساهمت في تسهيل مرور البضائع بين أوروبا والبيرو.
وعلى مدار سنين طويلة، أضيفت مناطق بنما للبيرو من قبل الإسبان، لكن مع بداية فترة استقلال المناطق اللاتينية، ضمت بنما رسميا لكولومبيا وتحولت تدريجيا لمركز عبور استراتيجي وشريان تجاري، بين المحيطين الأطلسي والهادئ، جذب انتباه العديد من القوى العالمية.
مشروع قناة بنما
ومع نجاح مشروعه العملاق لحفر القناة السويس، حاول الفرنسي فرديناند دي ليسابس (Ferdinand de Lesseps) إنشاء قناة جديدة تربط بين المحيطين الأطلسي والهادئ لتسهيل حركة التنقل بين شرق آسيا وأوروبا. وبسبب سوء الإدارة والفضيحة المالية، انهارت خطة دي ليسابس لتتجه بذلك الولايات المتحدة الأميركية للاستيلاء على مشروع تشييد هذه القناة.
إلى ذلك، شهدت نهاية الحرب الأميركية الإسبانية عام 1898 ظهور مزيد من الضغوط بالكونغرس حيث ارتفعت الأصوات المطالبة بالعثور على طريق أقصر لربط الغرب الأميركي بكاليفورنيا. فللعبور بين هاتين المنطقتين، اضطرت السفن الأميركية لعبور مضيق ماجلان بجنوب القارة الأميركية.
وأملا في وضع حد لهذه المعضلة، قرر المسؤولون الأميركيون بادئ الأمر حفر قناة بحرية بين المحيطين تمر عبر نيكاراغوا قبل أن يتم التخلي عن هذه الفكرة لصالح مشروع قناة بنما.
استقلال بنما
وأملا في جعل هذا المشروع حقيقة، تقرب المسؤولون بواشنطن من السياسيين الكولومبيين وعرضوا عليهم مبلغا ماليا هاما مقابل الحصول على بعض الأراضي ببنما لفترة مئة عام. وبادئ الأمر، اتجهت الحكومة الكولومبية للقبول بالاتفاقية قبل أن تصطدم في النهاية بمعارضة شديدة من البرلمانيين.
وفي الأثناء، أثار تردد السياسيين الكولومبيين قلق البورجوازيين البنميين الذين تخوّفوا من إمكانية عودة الأميركيين لمشروع حفر القناة بنيكاراغوا.
إلى ذلك، اندلعت ببنما حركة احتجاجية طالبت بضرورة الانفصال عن كولومبيا والحصول على الاستقلال. وأمام هذا الوضع، لم يتردد الرئيس الأميركي ثيودور روزفلت في استغلال الموقف لصالحه فأمر على الفور بإرسال بوارج حربية استقرت أمام مدينتي بنما وكولون لمنع الكولومبيين من التدخل عسكريا بالمنطقة.
ويوم 3 نوفمبر 1903، أعلنت بنما استقلالها عن كولومبيا. وبعد ثلاثة أيام فقط، اعترفت الولايات المتحدة الأميركية ببنما كدولة مستقلة واتجهت يوم 18 من نفس الشهر لتوقيع اتفاقية مع البنميين لحفر القناة مقابل منحهم مبلغ 10 ملايين دولار.