خلال فترة الحرب العالمية الثانية، لم يتردد النازيون في تنفيذ مخططاتهم ببدء حملة لإبادة اليهود بجميع المناطق التي وقعت تحت قبضتهم. وتماما كما حصل مع عدد كبير من يهود ألمانيا بالفترة السابقة، لجأت قوات فرق شوتزشتافل (Schutzstaffel) الألمانية، المعروفة أكثر باسم وحدات الأس أس (SS)، لتنفيذ أوامر قائدها هاينريش هملر (Heinrich Himmler) عن طريق اعتقال جميع اليهود بالدول التي احتلها الجيش الألماني وترحيلهم نحو معسكرات الموت، التي كان أهمها معسكر أوشفيتز ببولندا، متسببة بذلك في وفاة الملايين من اليهود.
وفي خضم هذه الأحداث الدامية، لم يتردد كثيرون ممن لقبوا لاحقا بـ"الصالحين بين الأمم" (Righteous Among the Nations) في المغامرة بحياتهم عن طريق التدخل باستعمال الحيلة لإنقاذ جيرانهم اليهود من براثن جنود وحدات الأس أس. وإضافة لشخصية رجل الأعمال الألماني أوسكار شيندلر (Oskar Schindler) الذي أنقذ أكثر من ألف يهودي والدبلوماسي الياباني تشيونه سوغيهارا (Chiune Sugihara) الذي أنقذ الآلاف من يهود ليتوانيا، ساهم عدد هام من المسلمين بفرنسا في إنقاذ حياة جيرانهم اليهود بطرق عدة اعتمدت إحداها على إخفاء الأطفال اليهود بمنازلهم عند قدوم الألمان.
إلى جانب ذلك، كان لمسجد باريس الكبير دور هام في إنقاذ حياة المئات من اليهود أثناء فترة الاحتلال الألماني لفرنسا عقب استسلام الأخيرة وتوقيعها على هدنة 22 حزيران/يونيو 1940. فخلال تلك الفترة، لم يتردد المسؤولون بالمسجد وعلى رأسهم الإمام عبد القادر مسلي (Abdelkader Mesli) في إصدار وثائق باعتناق الدين الإسلامي لهؤلاء اليهود ومنحهم هويات وأسماء إسلامية مزورة لتضليل الألمان.
وعلى حسب مصادر عدّة، حلّ الجزائري عبد القادر مسلي، الذي فقد والديه، بمرسيليا وهو في السابعة عشرة من عمره فعمل للوهلة الأولى بالميناء قبل أن يصبح نجارا. لاحقا، انتقل هذا الرجل الجزائري لبلجيكا فعمل بالمناجم قبل أن يعود مجددا لفرنسا ليصبح خلال فترة الثلاثينيات أحد الأئمة الخمسة بمسجد باريس الكبير.
وأثناء الاحتلال الألماني لباريس، منح عبد القادر مسلي، بمساعدة رفيقه الجزائري الآخر وأحد مؤسسي مسجد باريس الكبير عبد القادر بن غبريط المعروف أيضا بقدور بن غبريط (Kaddour Benghabrit)، الوثائق الإسلامية المزورة لليهود، كما وفّر لكثير منهم الطعام وأخفى بعضهم بمنزله أثناء الحملات التي قادتها فرق الأس أس على الأحياء.
مع تزايد الشكوك حوله، نفي عبد القادر مسلي من باريس وأرسل نحو مدينة بوردو (Bordeaux) إلا أن ذلك لم يمنعه من مواصلة إنقاذ اليهود من براثن وحدات الأس أس.
عقب تأكدها من دوره في مساعدة اليهود بفرنسا، اعتقلت قوات الغيستابو (Gestapo) الألمانية عبد القادر مسلي خلال شهر تموز/يوليو 1944 وأرسلته نحو معسكر الاعتقال الجماعي بداشو (Dachau) القريب من ميونيخ (Munich) بالجنوب الألماني. وأثناء فترة اعتقاله، تعرض عبد القادر مسلي لشتى أنواع التعذيب الجسدي بسبب رفضه تقديم أسماء بقية رفاقه المشاركين بعمليات إنقاذ اليهود. ومع تحرير الأميركيين لمعسكر الاعتقال الذي تواجد به، تحدّثت المصادر حينها عن معاناة عبد القادر من سوء التغذية وضعف شديد حيث قدّر وزنه حينها بحوالي 30 كلغ فقط.