“بيترلو”..هكذا تحولت شوارع مانشستر لبركة دماء بسبب وقفة احتجاجية 

ما بين عامي 1814 و1815، اجتمعت القوى الأوروبية بالعاصمة النمساوية فيينا لإعادة رسم حدود القارة العجوز ما بعد فترة نابليون بونابرت. وبينما استحوذت روسيا على جزء كبير من دوقية وارسو، وضع البروسيون أيديهم على كل من بوميرانيا السويدية وساكسونيا الشمالية ووستفاليا وأجزاء من راينلاند. وفي المقابل، حصل النمساويون على لومبارديا والبندقية وجانب من المناطق المطلة على البحر الأدرياتيكي، إضافة لكل من التيرول وسالزبورغ.

من ناحية أخرى، هيمنت بريطانيا على جزر بالبحر الأبيض المتوسط والبلطيق، كما حصلت أيضا على جزر بكل من آسيا وإفريقيا وأميركا كانت في السابق مملوكة للفرنسيين والهولنديين. وعلى الرغم من هذه المكاسب الجغرافية، عانت بريطانيا خلال السنوات القليلة التالية من ويلات أزمات سياسية واقتصادية سرعان ما تطورت لتتحول بحلول العام 1819 لاحتجاجات وأعمال عنف انتهت بسقوط مئات القتلى والجرحى.

مجاعة وبطالة ووقفة احتجاجية

مع نهاية الحروب النابليونية ونفي نابليون بونابرت نحو جزيرة سانت هيلينا (Saint Helena) بعرض المحيط الأطلسي عام 1815، غاصت بريطانيا في أزمات عديدة تراوحت بين النقص الحاد في الغذاء وتفشي البطالة. فضلا عن ذلك، جاءت عملية تشديد قوانين الحبوب والذرة، التي كانت جملة من القوانين التي أقرها البرلمان للتضييق على عمليات استيراد الذرة والغذاء، لتزيد من معاناة المواطنين الذين ذاقوا ذرعا من تواصل هذه الأزمة لأشهر عديدة.

مع بداية العام 1819، ساهمت هذه الظروف الاقتصادية والاجتماعية السيئة والتمثيل الضئيل لسكان شمال إنجلترا والعمال بالبرلمان في صعود التيار الراديكالي، وتزايد حالة الغضب الشعبي ضد سياسة الحكومة البريطانية بقيادة رئيس الوزراء روبرت بانكس جينكنسون (Robert Banks Jenkinson).

وبدلا من البحث عن حل للأزمة، ردت الحكومة البريطانية عن طريق مصادرة عدد من الحريات التي ضمنها القانون البريطاني لجميع المواطنين. إلى ذلك، اتجه العديد من أهالي منطقة مانشستر لتنظيم وقفة احتجاجية للمطالبة بإصلاحات برلمانية تزامنا مع ظهور معلومات حول إمكانية حضور السياسي والمعارض هنري هانت (Henry Hunt) لإلقاء كلمة لمساندة المحتجين.

مذبحة بمانشستر

في حدود منتصف شهر أغسطس 1819، تهافتت جموع غفيرة من العمال نحو هذه المنطقة الصناعية، التي اشتهرت بصناعات النسيج، للمشاركة بالوقفة الاحتجاجية. وبناء على تقارير تلك الفترة، تجمهر بساحة سانت بيتر بمانشستر ما لا يقل عن 50 ألف شخص للاستماع لكلمة هنري هانت الذي اتجه للمطالبة بتعميم حق الانتخاب على جميع البريطانيين من جنس الذكور خلال فترة تميّزت بحصول نحو 4% فقط من سكان البلاد على هذا الحق.

وبادئ الأمر، سارت الأمور على ما يرام حيث تميّزت هذه الوقفة الاحتجاجية حينها بطابعها السلمي. لكن بطلب من سلطات مانشستر وعدد من البرلمانيين، حلّت ميليشيا محلية مرفوقة بفرقة هوسار، أي قوات سلاح فرسان خفيفة، على عين المكان بهدف تفريق المحتجين واعتقال هنري هانت.

وبشكل غريب، هاجمت هذه الفرقة المسلحة المحتجين بالسيوف وتسببت في مقتل 15 شخصا وإصابة ما يزيد عن 600 آخرين بجروح متفاوتة الخطورة. إلى ذلك، لقّبت أحداث هذه الاضطرابات، بشكل ساخر، بمذبحة بيترلو (Peterloo) نسبة لمعركة واترلو التي جرب وقائعها قبل 4 سنوات.

خلال اليوم التالي، تناقلت الصحف البريطانية خبر هذه الواقعة التي شهدتها مانشستر متسببة في حالة من الغضب بين القرّاء.

في الأثناء، اعتقل هنري هانت، رفقة العديد من مساعديه، ونقل نحو السجن. وخلال الأيام التالية، مرر البرلمان البريطاني قانون إجراءات استثنائية حدّ من خلاله من حق التظاهر خوفا من تظاهرات شبيهة بتلك التي شهدتها فرنسا قبل نحو 30 عاما.

Original Article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

%d مدونون معجبون بهذه: