خلال النصف الأول من الثمانينيات، عاش الاتحاد السوفيتي على وقع نوع من الفراغ السياسي بسبب وفاة 3 من قادته في ظروف طبيعية. فيوم 10 نوفمبر 1982، توفي ليونيد بريجنيف (Leonid Brezhnev) بشكل طبيعي ليخلفه على إثر ذلك يوري أندروبوف (Yuri Andropov) الذي توفي بدوره بعد 15 شهراً فقط يوم 9 فبراير 1984 عقب معاناة مع فشل كلوي. لاحقاً، تولى قسطنطين تشيرنينكو (Konstantin Chernenko) قيادة الاتحاد السوفيتي لفترة تجاوزت بالكاد العام وتوفي يوم 10 مارس 1985 بسبب اعتلال بالرئة وقصور القلب.
على إثر ذلك، تولى يوم 11 مارس 1985 ميخائيل غورباتشوف (Mikhail Gorbachev)، البالغ من العمر 54 عاماً، قيادة الاتحاد السوفيتي. ومنذ حصوله على مقاليد الحكم، اتجه الأخير لإحداث جملة من التغييرات أسفرت عن انهيار الاتحاد السوفيتي.
مطلع الثمانينيات، واجه الاتحاد السوفيتي مشاكل اجتماعية عديدة حيث سجلت الرشوة والفساد انتشارها بمعظم القطاعات كما عانى عدد كبير من المواطنين السوفيت من ويلات الفقر تزامناً مع تفشي الإدمان على الكحول بسبب الأسعار المنخفضة لمشروب الفودكا. من ناحية أخرى، أنفق الاتحاد السوفيتي أموالاً طائلة على حربه بأفغانستان وواجه أزمة غذائية واضطر لاستيراد كميات هامة من القمح من الولايات المتحدة الأميركية. وإضافةً للرقابة الصارمة والتعتيم الإعلامي، عانى القطاع الصناعي السوفيتي من تأخر كبير مقارنةً بالغرب حيث تحكمت الدولة بأغلب دواليبه وحددت للمصانع، التي أنتجت أساساً للسوق الداخلية، كميات الإنتاج والأسعار متسببةً بذلك في غياب الجودة والمنافسة بالسوق.
مع اعتلائه لسدة الحكم عام 1985، اتجه ميخائيل غورباتشوف للبحث عن سياسة جديدة قد تعيد الاتحاد السوفيتي لمكانته العالمية وتجعله قادراً على مواكبة تطورات السوق الدولية. وبموافقة رفاقه القدامى بالحزب، أعلن غورباتشوف عن برنامجين إصلاحيين بالبلاد عرفا ببيريسترويكا (Perestroika) أي إعادة الهيكلة، وغلاسنوست (glasnost) أي الشفافية، لتحسين مستوى الحياة بالاتحاد السوفيتي وجعله مواكباً للعصر.
وعلى حسب "بيريسترويكا" غورباتشوف، قرر الاتحاد السوفيتي منح المصانع مزيداً من الاستقلالية بمجالات عديدة كالإنفاق كما سمح للعمال باختيار المديرين وأرباب العمل. أيضاً، سمح غورباتشوف للأفراد بإنشاء مشاريع صغيرة كالمتاجر وورشات تصليح السيارات، لتحقيق أرباح بعيداً عن الرقابة والهيمنة المركزية للدولة ليساهم بذلك في دفع البلاد نحو الرأسمالية التي لطالما حاربها المسؤولون السوفيت ونعتوها بأقبح الألفاظ.
وفيما يخص الـ"غلاسنوست"، فقد ركزت هذه السياسة الجديدة على ثلاثة عناصر أساسية تراوحت بين الفساد والإعلام والثقافة. وقد اتجه غورباتشوف حينها لملاحقة العديد من المتهمين بالفساد المالي والإداري بالبلاد وزيادة الشفافية مع المواطنين فيما يخص الأمور المالية والاقتصادية. فضلاً عن ذلك، ليّن غورباتشوف سياسة الرقابة التي مورست طيلة عقود على الصحافة والمؤلفين. وبفضل ذلك، أصبح من الممكن للسوفيتيين نقد النظام وسياسته دون الخوف من الاعتقال ومراكز العمل القسري المعروفة بالـ"غولاغ".
وساهمت سياستا "بيريسترويكا" و"غلاسنوست" في تحسين العلاقات السوفيتية الأميركية أكثر من أي وقت مضى. وبفضل إسهاماته في دفع بلاده نحو مزيد من الديمقراطية والحرية، حصل غورباتشوف عام 1990 على جائزة نوبل للسلام. وفي المقابل، أسفرت إصلاحات غورباتشوف عن انهيار المعسكر الشرقي حيث اتجهت شعوب الدول الحليفة للاتحاد السوفيتي للتحرك للمطالبة بإصلاحات مماثلة. وبسبب قطع غورباتشوف مع سياسة بريجنيف، لم يتدخل الجيش السوفيتي بأي من هذه الدول لإعادة النظام مثل ما حصل بالعقود الماضية بكل من المجر وتشيكوسلوفاكيا وألمانيا الشرقية. وبفضل ذلك، بدأت الأنظمة الشيوعية بالمعسكر الشرقي بالانهيار الواحدة تلو الأخرى.
وفي الاتحاد السوفيتي، فقد غورباتشوف شعبيته بشكل سريع واضطر للاستقالة سنة 1991 تزامناً مع انهيار الاتحاد.
من ناحية أخرى، كان أثر إصلاحات غورباتشوف واضحاً على السوفيتيين المتعطشين للحرية والرافضين لتواصل دكتاتورية الحزب الشيوعي. فخلال العام 1988، حصلت مؤسسة ماكدونالد الأميركية للوجبات السريعة على رخصة لفتح مطاعمها على الأراضي السوفيتية. وفجر يوم 31 يناير 1990، تجمهر ما لا يقل عن 5000 مواطن سوفيتي لمتابعة افتتاح المطعم بموسكو وتذوق هامبرغر الـ"بيغ ماك" (Big Mac). وحسب مصادر تلك الفترة، حقق مطعم ماكدونالد بموسكو خلال ذلك اليوم رقماً قياسياً حيث لبى العاملون به طلبات ما يزيد عن 30 ألف زبون.
خلال العام التالي، قدّمت فرقة ميتاليكا (Metallica) الموسيقية الأميركية عرضاً بموسكو. وقد دخل هذا العرض التاريخ كواحد من أكبر العروض بسبب عدد الجماهير. فبينما تحدّثت السلطات الأمنية الروسية عن نصف مليون مشاهد، أكد منظمو الحفل أن العدد الحقيقي للحاضرين قد تخطى 1.6 مليون شخص.