منذ حصول أدولف هتلر على منصب المستشار يوم 30 يناير 1933 ولحين استسلام ألمانيا للحلفاء يوم 7 أيار/مايو 1945، تسببت سياسة النازيين بألمانيا وبقية أرجاء أوروبا في مقتل ملايين الأشخاص من معارضين ومعوقين وأسرى حرب ويهود. وفي خضم محاكمات نورمبرغ الشهيرة عقب نهاية الحرب العالمية الثانية، اكتشف العالم جانبا هاما من الفظائع التي مارسها المسؤولون النازيون على مدار أكثر من 10 سنوات بمراكز العمل القسري والإبادة الجماعية.
إلى ذلك، لم تستثنِ آلة الموت النازية أيا من الشرائح العمرية. وإضافة للشباب والكهول وكبار السنّ، لم يتردد النازيون في قتل أعداد كبيرة من الأطفال، خاصة بمراكز الإبادة، ممن وصفوهم بالخطرين على ألمانيا.
ومن ضمن هؤلاء الأطفال، يدوّن التاريخ اسم الطفل الألماني، هلموت هويبنر (Helmuth Hübener). ففي خضم الحرب العالمية الثانية، تحدّى هذا الطفل النظام النازي وفقد حياته بسبب ذلك ليصنّف لاحقا كأصغر شخص حاكمه النازيون وأعدموه.
منظمة شباب هتلر
وخلال حياته القصيرة التي تجاوزت بالكاد 17 عاما، عاش هلموت هويبنر 9 سنوات في ظل النظام النازي. وبفضل مهاراته بالكشافة (Scouts)، أجبر هلموت عام 1935 وهو في العاشرة من عمره على الالتحاق بمنظمة شباب هتلر التي مثّلت ذراعا شبابيا، تكوّنت أساسا من الأطفال، للحزب النازي. وقد ضمت منظمة شباب هتلر الشبه عسكرية أطفالا تراوحت أعمارهم بين 14 و18 سنة وسعت بالأساس لتكوين جنود مستقبليين أوفياء لأدولف هتلر وقيم الحزب النازي.
وعام 1938، تخلّى هلموت هويبنر وهو في الثالثة عشرة من عمره عن منظمة شباب هتلر بعد أن شاركت الأخيرة في أحداث ليلة الكريستال، أو ليلة البلور، ما بين يومي 9 و10 تشرين الثاني/نوفمبر 1938 التي أقدم خلالها متعصبون نازيون، مدعومون بفرق شبه عسكرية نازية، على مهاجمة اليهود وممتلكاتهم بألمانيا مما أسفر عن سقوط العديد من القتلى.
أكاذيب وإذاعة أجنبية
خلال الأشهر التالية، تساءل هلموت عن سبب اضطهاد النازيين لليهود ليكتشف وجود خلفيات عنصرية عارية من الصحة استغلها النازيون لبناء أساطير وأكاذيب بهدف بلوغ سدة الحكم وإحكام قبضتهم على ألمانيا. وبالتزامن مع ذلك، عمد هلموت في خضم الحرب العالمية الثانية للاستماع خلسة لبرامج محطة البي بي سي البريطانية التي قدمت خلال بعض الفترات اليومية فقرات إخبارية بلغات أخرى.
من جهة ثانية، مثلت عملية الاستماع لهذه المحطات الأجنبية زمن الحرب العالمية الثانية جريمة خيانة بالنسبة للنازيين، الذين توعّدوا كل من يقوم بذلك بعقاب شديد.
وعقب استماعه لهذه المحطة الأجنبية، علم هلموت ما بين عامي 1941 و1942 بحقيقة ما يحصل على جبهات القتال. فبينما تحدّثت آلة الدعاية النازية عن انتصارات وقرب نهاية الحرب وهزيمة السوفيت والبريطانيين والأميركيين، كانت الحقيقة مخالفة لذلك حيث أكدت الإذاعة البريطانية على فشل هجوم بيرل هاربر الياباني بسبب نجاة جميع حاملات الطائرات الأميركية، كما نقلت أيضا أخبارا عديدة عن فشل الألمان في إسقاط موسكو وتكبدهم لخسائر جسيمة ضد السوفيت وتلقي حلفائهم الإيطاليين لهزائم مذلة بشمال إفريقيا.
منشورات وحقائق وإعدام
أمام هذا الوضع، قرر هلموت هويبنر التحرك رفقة 3 من أصدقائه لتقديم الأخبار الحقيقية للألمان فاتجهوا لطباعة عدد من المنشورات التي نقلوا من خلالها أخبار الحرب والخسائر الألمانية مؤكدين على حتمية خسارة الحرب وداعين الألمان للتمرد على هتلر لإنقاذ ألمانيا. وقد أقدم هلموت على طباعة العشرات من هذه المنشورات التي وضعها بأماكن عمومية ليقرأها الجميع.
ولأشهر، نقل هلموت للألمان أخبار الأزمات التي مر بها الجيش الألماني على الجبهة الشرقية ورفض بريطانيا الاستسلام ودخول الولايات المتحدة الأميركية بثقلها الصناعي النزاع العالمي. وخلال شهر فبراير 1942، وقع هلموت البالغ من العمر حينها 17 عاما في قبضة قوات الغيستابو (Gestapo) الألمانية عقب وشاية تقدّم به أحد أصدقائه.
لاحقا، أرسل هلموت ورفاقه نحو أحد سجون برلين حيث مكثوا لمدة 10 أسابيع تعرضوا خلالها لشتى أنواع التعذيب قبل أن يمثلوا أمام المحكمة.
وأثناء محاكمته، صنّف هلموت البالغ من العمر 17 عاما كرجل بالغ على الرغم من عدم بلوغه الثامنة عشرة بناء على ما نصت عليه قوانين القضاء الألماني.
إلى ذلك، تحدّى هلموت القضاء وهيئة المدعين مؤكدا على تقديم النازيين لأخبار كاذبة وحتمية خسارة ألمانيا للحرب. وبسبب ذلك، نال الأخير عقوبة الإعدام بعد أن اتهم بالخيانة والتآمر على الدولة بينما حصل بقية رفاقه على أحكام بالسجن المؤبد.
من جهة ثانية، رفض أدولف هتلر الصفح عن هلموت على الرغم من صغر سنّه ويوم 27 تشرين الأول/أكتوبر 1942 أعدم الأخير على يد الجلاد فيلهلم روتجر (Wilhelm Röttger) الذي تكفّل بمهمة قطع رقبته.