خلال العام 1917، عاشت روسيا على وقع ثورتي شباط/فبراير وتشرين الأول/أكتوبر اللتين أسفرتا عن الإطاحة بنظام القيصر نيقولا الثاني، في مرحلة أولى، وصعود البلاشفة. ومع نجاح ثورة تشرين الأول/أكتوبر، أي الثورة البلشفية، اتجه لينين وأنصاره لملاحقة من لقبوا بالبورجوازيين والأثرياء تزامنا مع اعتماد نظام الزراعة المشتركة وفرض هيمنة الدولة على وسائل الإنتاج.
إضافة لمن وصفوا بالبرجوازيين، طالت الملاحقات الأمنية السوفيتية التي قادتها التشيكا (Cheka)، بمرحلة أولى، ومفوضية الشعب للشؤون الداخلية رجال الدين والكنيسة الأرثوذكسية التي وصفت من قبل البلاشفة كرمز من رموز النظام القيصري. وبسبب ذلك، وجد العديد من أتباع الكنيسة الأرثوذكسية أنفسهم إما بمراكز العمل أو على منصات الإعدام.
البروباغندا المضادة للكنيسة
على مدار قرون، لعبت الكنيسة الأرثوذكسية دورا هاما بالإمبراطورية الروسية، حيث اعتنت الأخيرة بمهام إحصاء الولادات والوفيات بالبلاد وتشريع عمليات الزواج والحفاظ على معنويات السكان زمن الحروب والأوبئة.
أيضا، تكفلت الكنيسة بمهام تشريع سلطة القيصر على الروس لتكون بذلك أداة ضرورية احتاجها حكام روسيا لفرض النظام بأرجاء البلاد خاصة المناطق الفلاحية التي عجّت بالسكان الأميّين الذين عانوا من ظروف معيشية قاسية.
مع نجاح ثورة تشرين الأول/أكتوبر وصعود البلاشفة، اتجه فلاديمير لينين لاستخدام عبارات الفيلسوف والمؤرخ وعالم الاجتماع الألماني كارل ماركس واصفا الدين بأفيون الشعوب ومتهما الكنيسة الأرثوذكسية بتكريس سيادة وثراء البورجوازيين على حساب الأغلبية الساحقة من الروس الذين عانوا من الفقر والجوع بالمناطق الفلاحية والمصانع.
ومع استيلائهم على السلطة، اتجه البلاشفة لقيادة حملة دعائية ضد الكنيسة الأرثوذكسية. وقد روّجت البروباغندا البلشفية لصورة جديدة لرجال الدين اعتمادا على الرسوم الكاريكاتيرية حيث تم تصوير رجل الدين على أنه شخص بدين وملتحٍ يرتدي ثيابا من الحرير وينهب أموال وقوت الفقراء.
اضطهاد الكنيسة الأرثوذكسية
خلال الفترة التالية، انتقل البلاشفة من الحملة الدعائية للمواجهة المباشرة مع الكنيسة الأرثوذكسية. وعام 1918، تم إرساء قوانين فصلت الدين عن التعليم وأممت الأراضي المملوكة للكنيسة الأرثوذكسية. فضلا عن ذلك، اتجه البلشفيون لفتح قبور القديسين الروس أمام عامة المواطنين لدحض فكرة عدم تحلل جثثهم ووضع حد لعملية تقديسهم من قبل الروس.
بحلول العام 1922، أمر البلاشفة بمصادرة الممتلكات الثمينة للكنائس بهدف محاربة المجاعة والمشاكل الاقتصادية بالبلاد. وبفضل هذ القرار، باشر أفراد التشيكا بمهاجمة الكنائس الأرثوذكسية ونهبوا منها كل ما صنع من الذهب والفضة واتجهوا لتخزينها بمستودعات بهدف بيعها للدول الغربية في وقت لاحق. أيضا، امتدت الملاحقات الأمنية التي قادتها التشيكا لتطال رجال الدين الأرثوذوكس. فعام 1922، اعتقل البلشفيون بطريريك موسكو تيخون (Tikhon) وعذّبوه بالسجن قبل إطلاق سراحه، كما عمدوا أيضا لإعدام جميع الرهبان الذين قاوموا عمليات نهب ممتلكات الكنائس.
مع صعود جوزيف ستالين واستلامه لزمام الأمور بالاتحاد السوفيتي، عاشت البلاد على وقع موجة عنف أخرى تجاه رجال الكنيسة الأرثوذوكسية. فمع إرسال أعداد كبيرة منهم نحو مراكز العمل القسري بالمناطق النائية من البلاد، أمر ستالين ببدء حملة لتدمير الكنائس بالاتحاد السوفيتي. وبناء على العديد من الإحصائيات، امتلكت الإمبراطورية الروسية ما يزيد عن 54 ألف كنيسة قبل الثورة البلشفية. ومع انهيار الاتحاد السوفيتي، انخفض هذا العدد ليستقر في حدود 7 آلاف كنيسة.