بعد أن تسببت جائحة كوفيد-19 بفترة إغلاق طويلة أثرت على صناعة السياحة والسفر والترفيه حول العالم، بدأت تقنيات عدم التلامس تكتسب زخمًا، مع محاولة المطارات والفنادق والمرافق السياحية الحثيثة لإعادة بناء الثقة وتخفيف دول عدة لقيود السفر الجوي، من خلال تغيير نماذجها التشغيلية جذريًا، والتحول إلى أنماط تشغيل جديدة يبدو أنها ستتحول إلى جزء من حياتنا اليومية في المستقبل المنظور.
وتواجه الشركات الآن تحديًا جديدًا، متعلقًا بالحفاظ على بيئات العمل خالية من الفيروسات وآمنة للمراجعين وتحقق قواعد التباعد الجسدي، ما دفع شركات عدة إلى استخدام تقنيات مختلفة؛ مثل روبوتات تنظيف الشوارع أو أجهزة استشعار درجة الحرارة.
ومن تلك الإجراءات اعتماد تقنية عدم التلامس، إحدى أبسط التقنيات لوقف انتشار الفيروس، وبشكل خاص في أماكن يجتمع فيها عدد كبير من الناس ويبقون على اتصال وثيق، وعلى الرغم من أنها قد لا تكون بروعة الروبوتات، إلا أنها تقلل الحاجة إلى لمس أسطح تنقل الفيروس بسهولة، وتقدم تقنية عدم التلامس مزايا متعددة تقلل التكاليف، في ظل ازدياد التنافسية بين الشركات.
وتسمح التقنية باستخدام البطاقات المصرفية أو تصاريح السفر الإلكترونية للتنقل في وسائط النقل العام المختلفة، دون الاضطرار إلى لمس أي سطح، وسيمتد تأثير التقنية إلى أي خدمة يمكن الوصول إليها عبر هاتفك النقال؛ سواء كان عبر رمز الاستجابة السريعة أو عبر تطبيق هاتفي، للتسجيل في الفنادق أو المطارات أو النوادي الرياضية أو الخدمات في المبنى السكني وطلب الطعام، ما يحد من حاجتنا إلى التفاعل في الأماكن العامة.
ويبدو أن تقنيات عدم التلامس أثبتت قدرتها على تغيير قواعد اللعبة، من خلال استخدام شركات السفر والسياحة لتقنيات تضمن سلامة ورفاهية المسافرين في النقل والإقامة؛ وفقًا لجلوبال داتا، الشركة البريطانية المتخصصة بالاستشارات وتحليل البيانات.
وقالت سنيها نيجادي، محللة التقنيات التخريبية في جلوبال داتا، في بيان تلقى مرصد المستقبل نسخة منه «كانت جائحة كورونا بمثابة جرس إنذار للسياحة والسفر، ودفعت إلى تسريع الاستثمار في تقنيات عدم التلامس؛ مثل التحقق بالمقاييس الحيوية في المطارات، ودخول الفنادق دون مفتاح، ما قلل بشدة المخاطر المحتملة المرتبطة بنقاط الاتصال المادية.»
أبرز مجالات تطبيق التقنية الجديدة
- تسجيل الوصول إلى الفنادق
تتطلع الفنادق الآن إلى استعادة ثقة الزوار من خلال اللجوء تطبيقات أجهزة نقالة تتيح بتسجيل الوصول والمغادرة، دون الاضطرار إلى زيارة مكتب الاستقبال، مع السماح بالوصول إلى الخدمات والطلبات الأخرى؛ المناشف الإضافية أو مكالمات الإيقاظ أو التحكم في مرافق الغرفة من التكييف إلى التلفاز، فضلًا عن الدفع مقابل خدمات إضافية تقدمها جوجل؛ مثل تطبيق نيست هوب.
- تسجيل الوصول في المطارات دون تقارب جسدي
يعرف معظمنا نقاط تسجيل الوصول الذاتي المتوفرة في المطارات المتطورة حول العالم، التي حصلت على تحديثات حتى لا نضطر إلى لمس الشاشة، من خلال التعرف على الصوت، إذ تُصوَّر وثائق السفر بالكاميرا وتُمسَح ضوئيًا، ثم يؤكد برنامج التعرف على الوجه، هوية المسافر، مع إضافة ميزة جديدة لمراقبة العلامات الحيوية لمرض كوفيد-19؛ بقياس درجة الحرارة ومعدل ضربات القلب.
- المصاعد اللاتلامسية في المباني المكتبية
المصعد أكثر الأماكن حاجة إلى تقنية عدم التلامس، ونظرًا لأن دبي موطن لأطول ناطحات السحاب في العالم العربي، تبرز الحاجة لإبقاء أزرار المصاعد خالية من الفيروسات مهمة شبه مستحيلة، والحل الوحيد يكمن في استخدام أجهزة الاستشعار، من خلال التلويح باليد أو الإصبع فوق الأزرار. وتستخدم في أماكن أخرى حساسات وأزرار ثلاثية الأبعاد، كما في مطارات عدة حول العالم؛ منها مطار أبوظبي الدولي ومطار حيدر أباد، ويُتوقَّع انتشار التقنية في مبان كثيرة لدول عدة.
- المقاهي والمطاعم
جميع مقاهي ومطاعم العالم معرضة للاكتظاظ الدائم، وخاصة في الليالي المزدحمة، ما يجعلها موئلًا للفيروسات، إذ يلمس مرتادوها الأسطح كل بضع ثوانٍ ويصعب تنظيفها بسبب الأعداد الكبيرة من الناس التي تقصدها. ولتقليل التلامس تعمل تلك المنشآت على اعتماد تقنيات عدم التلامس، إذ يمسح الزوار ببساطة، رمز الاستجابة السريعة ضوئيًا بهواتفهم فيفتح قائمة الطعام ويمكنهم هذا من الطلب والدفع بلمسة زر واحدة، دون تحركهم من طاولاتهم أو التفاعل المباشر مع الموظفين، ما يقلل مخاطر العدوى. ولا يحتاج الزوار إلى تطبيق خاص لمسح رمز الاستجابة السريعة، إذ تؤدي المهمة ببساطة كاميرات الهواتف الذكية تلقائيًا، ويُرجَّح أن يقودنا التحول في صناعة الضيافة نحو تقنية الدفع اللاتلامسي، إلى تقريبنا من مجتمع قائم تمامًا على الدفع الإلكتروني.
تحديات
وأمام هذا التحول، نقف أمام جملة تحديات؛ أبرزها الأمن الرقمي، ما قد يعزز التردد في اعتمادها، في مرافق مثل الفنادق، ومع ذلك، تشمل الفوائد سهولة الاستخدام والبساطة وسلاسة العمليات، ومع تعافي الشركات، يمكن أن يشجع استخدام التقنية على نطاق واسع على تبنيها.
تجارب ناجحة
نفذت منشآت عدة حول العالم إجراءات مهمة في طريق تطبيق التقنية الجديدة، وفي هذا الإطار، عقد مطار العاصمة الصينية بكين شراكة مع شركة سيتا السويسرية للتقنية، لأتمتة الرحلات بالكامل باستخدام تقنيات المقاييس الحيوية؛ من إكمال إجراءات التحقق بالمطار، وإنزال الحقائب، إلى التصريح الأمني، والصعود النهائي إلى الطائرة، ليسير المسافرون عبر ممرات خاصة مجهزة بأنظمة تعرف على الوجوه.
تسجيل الوصول دون تلامس
ونشر مطار شانجي في سنغافورة، أكشاكًا تمنع التلامس لأتمتة عملية تسجيل وصول المسافرين، ودمجتها بأجهزة استشعار تعمل بالأشعة تحت الحمراء، تحدد حركة إصبع الراكب عندما يشير به إلى الخيارات الموجودة على الشاشة.
مصاعد خاصة
وفي مطار أبوظبي الدولي، وبشراكة مع شركة ميتا تك الناشئة للتقنية، بدأت السلطات بتركيب لوحة مصاعد تعمل دون لمس، تتحكم بلوحات مثبتة في 53 مصعدًا في المطار، من خلال الإشارة، ما يسمح للناس بتوجيه المصعد دون الضغط فعليًا على أي زر.
وأطلقت سلسلة فنادق سيتيزن إم الهولندية تطبيقًا ذكيًا للهاتف النقال لتزويد النزلاء بإقامات في فنادقها دون تلامس، وتسجيل الوصول والمغادرة رقميًا، مع تحكم النزلاء بالأضواء والستائر ودرجة الحرارة داخل غرفهم باستخدام الهاتف النقال.
روبوتات التعقيم
ونشر مطار هونج كونج الدولي روبوت تعقيم ذكية لتطهير مرافق المسافرين والأماكن العامة بسرعة، باستقلال تام وبالاستعانة بحساسات تعمل بالأضواء فوق البنفسجية ومعقم الهواء، ليعقم الروبوت محيطه، بدقة تصل إلى 99%، خلال 10 دقائق فقط.
وفي مرافق أخرى حول العالم، سجلت الشركة اللجوء إلى تقنيات عدم تلامس أخرى؛ مثل الفحص الحراري ومعقمات الأيدي الآلية وتطبيقات للهاتف النقال تتيح بالدخول إلى الوجهات السياحية دون تلامس، والدفع دون تلامس.
وتبقى تقنيات عدم التلامس في الوقت الراهن قيد التطوير، ما يقلل المخاوف حيال أمن البيانات مستقبلًا، وبدأ بالفعل نحو 70% من السكان في منطقتنا، منذ أبريل/نيسان 2020، باستعمال شكل من أشكال الدفع اللاتلامسي، لتعزيز النظافة باعتبارها الدافع الرئيس، ويبدو أن اعتمادها سيزداد في قطاعات عدة، لتصبح أمرًا بديهيًا في مجالات الترفيه والضيافة والسفر في المستقبل.
The post تقنيات عدم التلامس ترسم مستقبل السياحة والسفر والترفيه appeared first on مرصد المستقبل.