بالقرن الماضي، لعب العديد من الجواسيس دوراً هاماً في نقل معلومات حساسة عن المعسكرين الشرقي، الذي ضم الاتحاد السوفيتي والدول الحليفة له، والغربي، الذي تكون من الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها، وتأجيج الصراع بالحرب الباردة.
إضافة ليوليوس وإيثل روزنبرغ وكلاوس فوكس وأوليغ بنكوفسكي وروبرت هانسن، يذكر التاريخ اسم الجاسوس أدولف تولكاتشيف (Adolf Tolkachev) الذي نقل للأميركيين أسرارا ومخططات حساسة حول أسلحة سوفيتية متطورة تباهى بها المسؤولون العسكريون السوفيت أواخر الحرب الباردة.
تقرب من الدبلوماسيين الأميركيين
طيلة فترة حياته، تحمّل أدولف تولكاتشيف، المولود يوم 6 يناير 1927 بجمهورية كازاخستان الاشتراكية السوفيتية، بكره شديد تجاه الاتحاد السوفيتي وقادته بسبب ما مرت به زوجته أثناء التطهير الكبير الستاليني. فخلال تلك الفترة، أقدم أفراد المفوضية الشعبية للشؤون الداخلية على إعدام والدتها وأرسلوا والدها نحو مراكز العمل القسري بالمناطق النائية من البلاد.
وخلال الفترة الممتدة ما بين يناير 1977 وفبراير 1978، حاول المهندس المختص في مجال الإلكترونيات أدولف تولكاتشيف الاقتراب من سيارات الدبلوماسيين الأميركيين العاملين بالسفارة الأميركية بموسكو، عن طريق إلقاء رسائل بسياراتهم، أملا في لقاء أحد المسؤولين لعرض خدماته عليهم.
بادئ الأمر، تجاهل المسؤولون بوكالة المخابرات المركزية الأميركية عرض تولكاتشيف وتخوّفوا من إمكانية أن يكون عميلا لصالح المخابرات السوفيتية. لكن بفضل المسؤول بمركز مكافحة التجسس، التابع للمخابرات الأميركية، بموسكو غاردنر هاثواي، وافق الأميركيون على انتداب تولكاتشيف، الذي عمل بأحد معاهد الطيران العسكري السوفيتية بموسكو، لصالحهم.
معلومات حول السلاح السوفيتي
خلافا لبقية العملاء والطرق التقليدية، رفض أدولف تولكاتشيف استخدام الرسائل والراديو للاتصال بالمسؤولين الأميركيين بموسكو مفضلا بدلا من ذلك اللقاء بهم شخصيا بأماكن آمنة لتقديم المعلومات.
ما بين عامي 1979 و1985، لم يتردد تولكاتشيف في إخفاء أعداد كبيرة من الملفات داخل معطفه قبل أن يقدم فيما بعد على تصويرها بكاميرا خاصة زوّدته بها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية. وخلال أحد اجتماعاته بدبلوماسيين وعملاء أميركيين تابعين لوكالة الاستخبارات المركزية بالثمانينيات، تحدّث الأميركيون عن تحقيق تولكاتشيف لرقم قياسي مذهل حيث أقدم الأخير على تسليمهم ما يزيد عن 200 صورة لمخططات حول تكنولوجيا الأسلحة السوفيتية مساهما بذلك في توجيه الصناعة العسكرية الأميركية وتغيير توجهاتها حسب تطور وتقدم الأسلحة السوفيتية.
بفضل معلومات تولكاتشيف، تيقن الأميركيون من قدرة صواريخ كروز وعدد من قاذفات القنابل على اجتياز الرادارات السوفيتية كما حصلوا أيضا على معلومات حساسة حول صواريخ آر 23 (R-23) وآر 24 (R-24) وآر 33 (R-33) وآر 60 (R-60) ومنظومة الدفاع الجوي الصاروخية آس 300 وطائرات ميغ 29 وميغ 31 وسوخوي سو 27 السوفيتية. وقد ساهمت هذه المعلومات التي قدمها تولكاتشيف في تجنيب الأميركيين نفقات قدرت بحوالي ملياري دولار حول برامج تطوير الأسلحة.
كتكريم على جهوده، حصل تولكاتشيف على مبلغ مالي قدّر بمليون دولار كما وفّرت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ألبومات موسيقية لفرق البيتلز (The Beatles) ولد زبلن (Led Zeppelin) لابنه.
إلى ذلك، عرف هذا التعاون بين تولكاتشيف ووكالة الاستخبارات المركزية نهايته عام 1985. فخلال ذلك العام، ألقت الشرطة السوفيتية القبض على تولكاتشيف واقتادته نحو سجون لجنة أمن الدولة بعد مصادرة أدوات تجسس بمنزله. وعلى حسب بعض المصادر، وقع الأخير بقبضة جهاز أمن الدولة بعد وشاية من العميلين السوفيتيين إدوارد لي هاورد (Edward Lee Howard) وألدريش آمس (Aldrich Ames). ومع نهاية فترة التحقيق، اتهم تولكاتشيف بالخيانة وأعدم يوم 24 أيلول/سبتمبر 1986.