عقب وفاة فلاديمير لينين يوم 21 يناير 1924، نجح جوزيف ستالين في إزاحة جميع خصومه السياسيين، على رأسهم ليون تروتسكي، ليستفرد بالسلطة ويحكم قبضته على الاتحاد السوفيتي لفترة قاربت ربع قرن. وأثناء فترة حكمه، تسبب ستالين في وفاة ما لا يقل عن 20 مليون شخص حيث لم يتردد في التخلص من جميع خصومه السياسيين واتجه في الآن نفسه لمعاقبة القوميات التي عارضت سياسته عن طريق عمليات التهجير وافتعال المجاعات.
ولإحكام قبضته على الاتحاد السوفيتي، اعتمد جوزيف ستالين طيلة فترة حكمه على جهاز المفوضية الشعبية للشؤون الداخلية، المعروفة أيضا بـ"إن كا فيه دي" (NKVD)، التي جمعت بين أنشطة الشرطة والشرطة السرية. وعلى الرغم من مشاركتهم بالعمليات الستالينية، لم يسلم أعضاء المفوضية الشعبية للشؤون الداخلية من غضب ستالين الذي لم يتردد في التخلص منهم تزامنا مع شعوره بالخطر. وإضافة لنيقولاي يجوف (Nikolai Yezhov) الذي أعدم عام 1940، عمد ستالين عام 1937 لملاحقة قائد هذا الجهاز الأمني غينريخ ياغودا (Genrikh Yagoda) الذي تحول لعدو وخائن بالاتحاد السوفيتي.
مسؤول عن مراكز العمل القسري
إلى ذلك، ولد غينريخ ياغودا بمدينة رايبنسك (Rybinsk) الروسية لعائلة يهودية يوم 7 تشرين الثاني/نوفمبر 1891. وقد التحق ياغودا بالبلشفيين عام 1907 وتعرض للملاحقة الأمنية بسبب أنشطته الثورية قبل أن ينفى عام 1912 تزامنا مع وقوعه بقبضة الشرطة القيصرية.
وعام 1913، عاد ياغودا لسانت بطرسبرغ والتحق بمصنع بوتيلوف (Putilov) للفولاذ. ومع بداية الحرب العالمية الأولى، انضم الأخير للجيش القيصري ليرسل نحو الجبهة أين تعرض لإصابة أثناء المواجهات مع الألمان.
مع نجاح الثورة البلشفية، تدرج ياغودا بهرم السلطة بجهاز التشيكا (Cheka) الأمني ليصبح مستشارا ومساعدا لفيليكس دزيرجنسكي (Felix Dzerzhinsky). وخلال العام 1924، أصبح هذا المسؤول الأمني قائدا للمديرية السياسية بالدولة. وقد حافظ ياغودا على هذا المنصب لحدود العام 1934 وتكفل بداية من مطلع الثلاثينيات بمهام تعلقت بإدارة مراكز العمل القسري، المعروفة بالغولاغ، التي أرسل إليها المتهمون بمعارضة ستالين.
تهم غريبة وإعدام
بفضل معرفته الشخصية بجوزيف ستالين، تمكن ياغودا عام 1934 من الالتحاق باللجنة المركزية للحزب الشيوعي وعيّن في الآن نفسه قائدا للمفوضية الشعبية للشؤون الداخلية التي كلّف بإعادة تنظيمها على إثر وفاة المسؤول الأمني السابق فياتشيسلاف مينجينسكي (Vyacheslav Menzhinsky).
على إثر حادثة اغتيال سيرغي كيروف واكتشافه لمجموعة سياسية معارضة مؤيدة لتروتسكي، شارك ياغودا في اعتقال العديد من السياسيين الشيوعيين البارزين، من أمثال زينوفييف وكامينيف، ونظّم محاكمات صورية بموسكو، انتزعت أثناءها اعترافات تحت وطأة التعذيب، أسفرت عن إعدام عدد هام من الشخصيات التي اتهمت بمعارضة سياسات ستالين.
وبفضل ذلك، تحوّل هذا المسؤول الأمني السوفيتي لإحدى أهم الشخصيات التي ساهمت في بداية فترة التطهير الكبير التي راح ضحيتها ما يزيد عن 700 ألف شخص.
وما بين عامي 1934 و1935، تسبب ياغودا بشكل مباشر في إرسال نحو ربع مليون شخص نحو مراكز العمل القسري بالمناطق النائية من الاتحاد السوفيتي. فضلا عن ذلك، حثّ الأخير ستالين على وقف محاكمة كبار قادة الجيش الأحمر من أمثال مارشال الاتحاد السوفيتي ميخائيل توخاتشيفسكي (Mikhail Tukhachevsky) مؤكدا على إمكانية إضعاف ذلك لقدرات الجيش السوفيتي.
سنة 1937، انقلب السحر على الساحر. فخلال شهر آذار/مارس من ذلك العام، اعتقل غينريخ ياغودا بأوامر من ستالين. وقد وجهت لهذا المسؤول الأمني حينها اتهامات عديدة وغريبة كالتخابر مع الألمان وتبييض الأموال ونهب ممتلكات الدولة وتسميم الأديب مكسيم غوركي وحيازة أعمال إباحية ومؤلفات لتروتسكي. عقب محاكمة وجيزة، أعدم ياغودا يوم 15 آذار/مارس 1937 رميا بالرصاص عقب فشله في الحصول على عفو من ستالين.
وبالأشهر التالية، اتجهت السلطات الأمنية السوفيتية لملاحقة أفراد عائلة ياغودا. فعقب إعدام شقيقته خلال شهر أيار/مايو 1937، مثلت زوجته إيدا أفرباخ (Ida Averbakh) أمام المحكمة قبل أن ترمى بالرصاص يوم 16 تموز/يوليو 1938.