مع بداية الحرب العالمية الثانية، اتجه الاتحاد السوفيتي لمطالبة فنلندا بتسليمه جانبا من أراضيها المطلة على بحر البلطيق أملا في تأمين مدينة لينينغراد من أي غزو محتمل عبر الأراضي الفنلندية.
وبعد رفض الفنلنديين لهذه المطالب، لم يتردد الاتحاد السوفيتي في إعلان الحرب على الجارة يوم 30 تشرين الثاني/نوفمبر 1939 معلنا بذلك بداية ما عرف بحرب الشتاء استمرت لأكثر من 3 أشهر وانتهت بمقتل وإصابة مئات الآلاف من الجنود السوفيت وخسارة الفنلنديين جانباً من أراضيهم.
انتهاك واضح
فقد مثلت المطالب السوفيتية التي اندلعت بسببها الحرب، انتهاكا واضحا لاتفاقية تارتو (Tartu) الموقعة عام 1920، بهدف تثبيت الحدود بين الدولتين.
وجاءت هذه الاتفاقية حينها لتنهي الخلافات الحدودية بين موسكو وهلسنكي عقب الحرب الأهلية الفنلندية.
الحرب الأهلية الفنلندية
قبيل استقلال فنلندا عن روسيا عام 1917، انقسم الشارع الفنلندي بين مؤيد ومعارض لفكرة الاستقلال. فبينما فضلت فئة من الشعب البقاء تحت السيادة الروسية وتجنب الإضرار بموسكو خلال فترة صعبة عاشت أثناءها الإمبراطورية الروسية على وقع الحرب العالمية الأولى، مالت فئة أخرى من الفنلنديين، تكونت أساسا من أتباع الحزب الاشتراكي الديمقراطي، لاستغلال الفرصة وإعلان استقلال البلاد.
ومع نجاح الثورة البلشفية وحصول لينين ورفاقه على مقاليد السلطة بموسكو، انقلبت موازين القوى بفنلندا.
فبسبب علاقاتهم الوطيدة بالبلشفيين، فضّل أتباع الحزب الاشتراكي الديمقراطي البقاء تحت وصاية موسكو.
بالمقابل، أيدت أغلبية الشعب الفنلندي الاستقلال والابتعاد عن السياسات القمعية للبلاشفة.
انتصار سهل
وخلال انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر 1917، حققت الأحزاب المؤيدة للاستقلال انتصارا سهلا لتتجه الحكومة الجديدة على إثر ذلك لإعلان استقلال فنلندا رسميا.
أمام هذا الوضع، اعتمدت الحركات اليسارية، الرافضة للاستقلال، على نجاح الثورة البلشفية كمصدر الهام لتحمل السلاح بوجه الحكومة الجديدة معلنة بذلك بداية الحرب الأهلية الفنلندية التي استمرت لأشهر وانتهت بمقتل وإصابة عشرات الآلاف.
اتفاقية حدودية
مع نهاية الحرب الأهلية الفنلندية وانهيار الإمبراطورية الألمانية وخسارتها الحرب العالمية الأولى، تيقن الفنلنديون من ضرورة فتح قنوات اتصال دبلوماسي مع روسيا البلشفية تزامنا مع توسع رقعة العمليات القتالية بالحرب الأهلية الروسية.
كما مثلت المسألة الحدودية أهم مشكلة بين الطرفين حيث اختلف السوفيت والفنلنديون على طريقة ترسيم الحدود بينهما.
فضلا عن ذلك، شهد البرلمان الفنلندي حالة من الاحتقان، فبينما أيد كثيرون المفاوضات مع السوفيت، تحدث اليمينيون عن خيانة ومعاهدة مذلة قد تحرم الفنلنديين من قسم من أراضيهم التاريخية.
وفي مدينة تارتو الإستونية يوم 14 تشرين الأول/أكتوبر 1920، وقع السوفيت والفنلنديون اتفاقية ترسيم الحدود، فاتفق الطرفان على اعتماد الحدود التاريخية السابقة بين دوقية فنلندا الكبرى والإمبراطورية الروسية سابقا.
من ناحية أخرى، حصلت فنلندا على منطقة بيتسامو (Petsamo) وقبلت بالتخلي على مناطق ريبولا (Repola) وبورارفي (Porajärvi) بكاريليا الشرقية لصالح السوفيت.
أيضا، وافقت فنلندا على إنهاء وجود جمهورية إنغيريا التي سرعان ما ضمت أراضيها للاتحاد السوفيتي.
من ناحية أخرى، قبلت موسكو وهلسنكي بتوفير ممرات تجارية وتسهيل حركة عبور السفن بخليج فنلندا والبلطيق كما وافق الفنلنديون أيضا على تقليص حجم تواجدهم العسكري قبالة مدينة كرنشتات (Kronstadt) السوفيتية.
وطبقت اتفاقية تارتو لعام 1920 طيلة 19 عاما وساهمت في الحفاظ على الحدود بين الإتحاد السوفيتي وفنلندا. ويوم 30 تشرين الثاني/نوفمبر 1939، خرق السوفيت هذه الإتفاقية تزامنا مع دخول قواتهم للأراضي الفنلندية.