يوم 29 سبتمبر 440، تربّع ليو الأول (Leo I) على الكرسي البابوي خلفا للبابا سيكتوس الثالث (Sixtus III) الذي توفي يوم 18 أغسطس من نفس العام.
وقد مثل ليو الأول أحد أرستقراطي روما وكان أول الباباوات الذين نالوا لقب الأكبر والأعظم بفضل اسهاماته وتأثيره الكبير بالعالم المسيحي خاصة أثناء مجمع خلقيدونية الذي نتج عنه انشقاق أدى إلى ابتعاد الكنائس المشرقية عن الشراكة مع الكنيستين الرومانية والبيزنطية.
إضافة لذلك، لعب البابا ليو الأول، المعروف أيضا بليو الأكبر، دورا هاما في إنقاذ روما من الخراب. فأثناء فترة بابويته، اتجه ليو الأول لقيادة عملية دبلوماسية محفوفة بالمخاطر حاول من خلالها لقاء أتيلا (Attila) ملك الهون أملا في إقناعه بعدم غزو إيطاليا.
امبراطورية أتيلا
وأثناء فترة حكمه، تمكن أتيلا ملك الهون من تأسيس امبراطورية مترامية الأطراف امتدت على مناطق بكل من آسيا الوسطى والقوقاز وأوروبا الشرقية وتراوحت حدودها بين نهر الفولغا وغرب ألمانيا. وفي خضم حملاته العسكرية، أجبر أتيلا الإمبراطورية الرومانية الشرقية، أو الإمبراطورية البيزنطية، على دفع الجزية ونجح في محاصرة القسطنطينية مرتين. أيضا، دخل أتيلا مناطق فرنسا الحالية وتمكن من بلوغ أورلينز وفرض حصارا على باريس ليتحول بذلك لأكثر شخصية مخيفة بالشرق والغرب خلال تلك الفترة.
وفي خضم هذه الحملات العسكرية، لم يتردد أتيلا في مهاجمة الإمبراطورية الرومانية الغربية والتدخل بإيطاليا. وعقب معركة شالون (Battle of Chalons) عام 451، اجتاح أتيلا شبه الجزيرة الإيطالية وتمكن من تخريب مدن عدّة كأكيليا (Aquileia) عام 452 قبل أن يتجه نحو روما.
البابا ينقذ روما من الخراب
ولوقف زحفه على روما، قدّم أتيلا الهوني شروطا تعجيزية للرومان حيث طالب الأخير بتزويجه لشقيقة الإمبراطور فالنتينيان الثالث (Valentinian III) وهدد بحرق روما وإبادة سكانها في حال رفض طلبه.
وأملا في إنهاء الصراع ووقف زحف الهون على روما، قرر فالنتينيان الثالث اعتماد الطرق الدبلوماسية حيث كان الأخير على دراية مطلقة بضعف جيشه وعدم قدرته على مقارعة جيوش الهون. إلى ذلك، أرسل الإمبراطور الروماني لأتيلا وفدا دبلوماسيا تكوّن أساسا من البابا ليو الأول والقنصل جيناديوس أفينوس (Gennadius Avienus) الذين مثلا حينها أفضل شخصين مؤهلين لهذه المهمة الدبلوماسية.
ليومنا الحاضر، يجهل المؤرخون مجريات الحوار الذي دار بين كل من البابا ليو الأول وأتيلا. لكن مع نهاية الاجتماع الذي جمع بين هذين الرجلين عام 452، انبهر أتيلا الهوني، حسب أقوال الكاتب والراهب المسيحي بورسبير الأكيتيني (Prosper of Aquitaine) الذي عاصر هذا الاجتماع، بكلام البابا ليو الأول ووافق في النهاية على الانسحاب دون المساس بروما.
ما بين عامي 1513 و1514، رسم الرسام والمهندس المعماري الإيطالي رافائيل (Raphael)، بطلب من البابا ليو العاشر (Leo X)، لوحة فريسكو بعنوان لقاء ليو الأكبر وأتيلا لتخليد واقعة الحوار الدبلوماسي الذي أنقذ روما من الخراب. وقد أتم الرسام الإيطالي مهمته على أحسن واليوم تزّين هذه اللوحة القصر الرسولي بالفاتيكان.