مع نجاح الثورة البلشفية، غاصت روسيا في أهوال الحرب الأهلية التي استمرت لأكثر من 5 سنوات وانتهت بمقتل ما يزيد عن 10 ملايين شخص. أيضا، واجهت البلاد بداية من العام 1920 مجاعة وتفشياً للأمراض أسفر عن وفاة حوالي 5 ملايين روسي ممن عانوا من سوء التغذية بسبب تواصل الحرب الأهلية لسنوات وتراجع كميات الغذاء ومصادرة السلطات السوفيتية للمحاصيل.
وفي خضم هذه الأحداث، كسبت أوكرانيا استقلالها لفترة وجيزة استمرت بضعة سنوات. فعقب رحيل القيصر نيقولا الثاني، أعلنت أوكرانيا استقلالها وحظيت باعتراف من قبل الحكومة المركزية الروسية المؤقتة التي سبقت استيلاء البلشفيين على السلطة.
أوكرانيا بدوامة العنف
ويعود الفضل في استقلال أوكرانيا عام 1917 للعديد من السياسيين والقوميين الأوكرانيين الذي كان على رأسهم سيمون بتليورا (Symon Petlyura) المولود خلال شهر أيار/مايو 1879 بمنطقة بولتافا (Poltava).
ويصنف سيمون بتليورا كواحد من مؤسسي حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الأوكراني عام 1905. وقبل الحرب العالمية الأولى، شارك الأخير في نشر صحيفتين أوكرانيتين نشطتا بشكل أسبوعي للدفاع عن حقوق الأوكرانيين. ومع اندلاع الحرب الكبرى، التحق بتليورا بالجيش الروسي وقاتل على الجبهة ضد الألمان طيلة الفترة التي سبقت اندلاع ثورة شباط/فبراير عام 1917 التي أطاحت بحكم القيصر نيقولا الثاني.
ومع رحيل النظام القيصري وبداية فترة الحكومة المؤقتة لروسيا، التحق سيمون بتليورا بالمجلس الوطني الأوكراني، الذي أعلن استقلال أوكرانيا رسميا خلال شهر حزيران/يونيو 1917، وحصل على منصب وزير الحربية بالحكومة الجديدة.
ومع استقلال أوكرانيا، تدخل الألمان بأراضيها ونصّبوا حكومة جديدة بها قبل أن يضطروا للانسحاب منها أواخر الحرب العالمية الأولى تزامنا مع عودة سيمون بتليورا الذي استلم زمام الأمور بالبلاد.
ومع مغادرة الألمان، وجدت أوكرانيا نفسها مرة أخرى في دوامة العنف بين كل من البلشفيين والجيش الأبيض ضمن فترة الحرب الأهلية الروسية.
ومع رحيل الجيش الأبيض الذي أقدم أواخر عام 1918 على عزل حكومة بتليورا، وقعت أوكرانيا بقبضة البلشفيين. وبسبب ذلك، وقّع بتليورا تحالفا مع بولندا للقتال ضد الجيش الأحمر بالمنطقة. إلى ذلك، تخلى البولنديون عام 1921 عن الأوكرانيين وقبلوا باتفاقية ريغا التي ضمنت استقلال بولندا وكرست سقوط أوكرانيا بقبضة البلشفيين ليجد بذلك بتليورا نفسه معارضا معزولا من منصبه السياسي بالعاصمة الفرنسية باريس.
اغتيال بتليورا
عام 1924، انتقل بتليورا لباريس حيث أصبح رئيس الحكومة الأوكرانية بالمنفى. وبالعاصمة الفرنسية، تعرض الأخير بعد عامين فقط لمحاولة اغتيال ناجحة قادها يهودي روسي، ذو ميول شيوعية وأناركية، حمل اسم شولم شوارزبارد (Sholem Schwarzbard).
فخلال أعمال عنف طالت اليهود عام 1919، خسر شولم شوارزبارد عائلته. وعلى مدار سنوات، حمّل الأخير المسؤول الأوكراني السابق بتليورا المسؤولية عن ذلك متهما إياه بتقديم الأوامر والتحريض على العنف ضد اليهود زمن الحرب الأهلية الروسية.
في حدود الساعة الثانية بعد الزوال يوم 25 أيار/مايو 1926، اقترب شوارزبارد من بتليورا، الذي كان يمشي ببولفارد سان ميشيل بباريس، وسأله "هل أنت السيد بتليورا؟". ودون أن يرد، حمل بتليورا عصاته، التي استند عليها للمشي، بين يديه ليتفاجأ بخمسة طلقات من مسدس وجهها نحوه شوارزبارد واستقرت بجسمه.
عقب اعتقاله، مثل شوارزبارد أمام المحكمة يوم 18 تشرين الأول/أكتوبر 1927. وعقب جملة من الجلسات وافقت المحكمة، بشكل غريب، على إطلاق سراحه عقب تبرئته من التهم الموجهة إليه وجملة من الشهادات، المشكوك في مدى صحتها، التي قدمها عدد من الشهود.