على مدار قرون، مثلت البرتغال واحدة من أهم الإمبراطوريات الاستعمارية بالعالم، حيث قارعت الأخيرة الإسبان والإنجليز والفرنسيين وامتلكت مستعمرات بكل من جنوب القارة الأميركية وإفريقيا وشرقي آسيا. وبفضل ذلك، تهافتت السلع على العاصمة لشبونة التي سرعان ما تحوّلت في أوجها لإحدى أهم العواصم الأوروبية.
إلى ذلك، لم يستمر هذا الازدهار الذي عرفته لشبونة لفترة طويلة. فعام 1755، مرت العاصمة البرتغالية بجملة من الكوارث الطبيعية التي أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف من سكانها وتدمير جانب هام من معالمها.
70 ألف قتيل
مطلع القرن الثامن عشر، مثلت لشبونة ثالث أهم موانئ أوروبا بعد كل من لندن وأمستردام. فسنويا، تحل ما بين 11 و16 طنا من الذهب والفضة بموانئها قادمة من البرازيل لتزين قصورها وكنائسها.
ويوم 1 تشرين الثاني/نوفمبر عام 1755، فقدت العاصمة البرتغالية بريقها بسبب مجموعة كوارث طبيعية. ففي حدود الساعة التاسعة والنصف صباحا، اهتزت المدينة على وقع هزة أرضية بلغت شدتها 8.7 درجة على مقياس رختر.
وبعدها بفترة وجيزة، شهدت المدينة موجات تسونامي عالية تراوح ارتفاعها بين 5 و10 أمتار التهمت الأحياء القريبة من الميناء وتسببت في تخريبها بشكل كامل قبل أن تعيش لشبونة في حدود الساعة الحادية عشرة على وقع رجة أرضية أخرى اندلعت على إثرها ألسنة اللهب بمختلف أرجائها. وقد استمرت الحرائق بلشبونة لمدة 6 أيام وأسفرت في النهاية عن تدمير أغلب أحيائها.
إلى ذلك، أسفرت هذه الكارثة عن مقتل ما لا يقل عن 70 ألف شخص. ولحسن حظّه، نجا الملك جوزيف الأول (Joseph I) من الموت بسبب تواجده بدير جيرونيموس (Jerónimos Monastery) الذي لم يتأثر كثيرا بأهوال يوم 1 تشرين الأول/نوفمبر.
محاولة فهم ظاهرة الزلازل
وفي الأثناء، انتشر خبر كارثة لشبونة بكامل أرجاء أوروبا وأثار جدلا كبيرا بين رجال الدين والفلاسفة. فبينما تحدّث أتباع الكنيسة عن عقاب إلهي ودعوا لطلب المغفرة عن الخطايا، انتقد عدد من الفلاسفة، على رأسهم كل من فولتير وجان جاك روسو، الأمر وطالبوا بتفسير منطقي لتجنب وقوع مثل هذه الكوارث مستقبلا وإنقاذ أكبر عدد من الأرواح.
يوم 6 أيار/مايو 1756، حصل الماركيز دي بومبال (marquis de Pombal) على منصب رئيس وزراء البرتغال. وحال استلامه لمهامه، اتجه الأخير لإعادة تهيئة العاصمة البرتغالية فأمر بإعادة بناء الأحياء المدمرة وتوسيع الطرقات كما شيّد ميدان التجارة على ركام القصر الملكي.