دبلوماسي سويدي أنقذ 12 ألفا واختطفه الاتحاد السوفيتي

بالقرن الماضي، لعبت العديد من الشخصيات الدبلوماسية والصناعية دورا هاما في إنقاذ أعداد كبيرة من اليهود من قبضة النازيين الذين اتجهوا لإبادتهم بمعسكرات الموت التي انتشرت بمناطق أوروبية عديدة وقعت بقبضة ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية.

وإضافة للألماني أوسكار شيندلر (Oskar Schindler) الذي وضع حياته على المحك، بالرغم من انتمائه للحزب النازي لإنقاذ المئات، يذكر التاريخ أيضا اسم المهندس المعماري ورجل الأعمال والدبلوماسي السويدي راؤول والنبرغ (Raoul Wallenberg) الذي ساهم في إنقاذ آلاف اليهود قبل أن يختفي نهائيا وبشكل غامض بسبب السوفيت.

دراسة بأميركا

إلى ذلك، درس راؤول والنبرغ، المولود يوم 4 آب/أغسطس 1912 بستوكهولم، خلال فترة الثلاثينيات بالولايات المتحدة الأميركية وتخرج من جامعة ميشيغان قبل أن يعود لوطنه السويد ويدخل عالم الأعمال.

فخلال العام 1935، أمّن له جدّه عملا لدى إحدى الشركات السويدية المختصة في إنتاج مواد البناء بكيب تاون بجنوب أفريقيا. وبعدها بستة أشهر، انتقل والنبرغ للعمل بحيفا قبل أن يعود لستوكهولم عقب حصوله على منصب هام بمؤسسة وسط أوروبا التجارية التي اختصت بمجال التجارة بين السويد ووسط أوروبا تحت إشراف رجل الأعمال المجري، ذو الأصول اليهودية، كالمان لوير (Kálmán Lauer).

خلال فترة الحرب العالمية الثانية، تعلّم راؤول اللغة المجرية عام 1941 وقام بالعديد من الرحلات التي قادته نحو بودابست وبرلين وباريس. وهنالك، اطلع الأخير على النظام الإداري الألماني واتجه لاستغلال عدد من الثغرات به لإنقاذ عدد هام من اليهود من براثن الأجهزة الأمنية الألمانية التي لم تتردد في اقتيادهم نحو معسكرات الموت.

أعمال إنسانية واختفاء على يد السوفيت

أثناء شهر حزيران/يونيو 1944، انتدبت هيئة لاجئي الحرب الأميركية راؤول والنبرغ للعمل لصالحها واتجهت لإرساله نحو المجر خلال الشهر التالي. ويوم 9 تموز/يوليو 1944، حلّ والنبرغ ببودابست معتمدا صفة السكرتير الأول للبعثة السويدية بالمجر.

إلى ذلك، كانت المجر منذ شهر آذار/مارس 1944 قابعة تحت الاحتلال الألماني. فبعد أن كانت حليفة للألمان في البداية، فضّلت المجر البحث عن معاهدة سلام مع الحلفاء تزامنا مع تراجع دول المحور. ولمنعها من الخروج من الحرب وضمان بقائها، عمدت القوات الألمانية حينها لغزو المجر.

أثناء فترة تواجده بالمجر، تابع راؤول والنبرغ عن كثب عمليات ترحيل اليهود نحو معسكرات الإبادة. وأمام هذا الوضع، اتجه الأخير للتحرك أملا في إنقاذ حياة أكبر عدد منهم. وبموافقة حكومة بلاده، وفّر راؤول والنبرغ للعديد من اليهود وثائق حماية وجوازات سفر سويدية مساهما بذلك في إنقاذ آلاف الأرواح. وعلى حسب بعض المصادر، تسببت هذه الحركة التي قام بها والنبرغ في إنقاذ نحو 12 ألف يهودي من معسكرات الموت النازية.

إلى ذلك، مثّل راؤول والنبرغ شخصية غير مرغوب فيها لدى الاتحاد السوفيتي. فأثناء المعارك بين الألمان والجيش الأحمر قرب بودابست، استدعي والنبرغ للقاء المارشال السوفيتي روديون مالينوفسكي (Rodion Malinovsky) للإجابة عن أسئلة حول إمكانية تورطه بأعمال تجسس لصالح الأميركيين.

وفي الأثناء، شوهد راؤول والنبرغ لآخر مرة يوم 17 يناير 1945 أثناء توجهه للقاء المارشال مالينوفسكي حيث اختفى هذا الرجل السويدي بشكل نهائي.

عام 1956، لمّح تقرير حكومي سوفيتي لوفاة راؤول والنبرغ سنة 1947 بسبب سكتة قلبية داخل دهاليز مبنى اللوبيانكا (Lubyanka) الذي مثّل حينها أحد المقرات الرئيسية للشرطة السرية السوفيتية. وفي الأثناء، شكك كثيرون في صحة التقارير وتحدثوا عن وفاته تحت وطأة التعذيب.

من ناحية أخرى، تحدّث مسؤولون سوفيت وشهود آخرون عن مشاهدتهم لوالنبرغ حيا بالسجون السوفيتية بعد العام 1947. وبسبب ذلك، أصبح مصير هذا الرجل غامضا وأثار العديد من التوترات بين السويد والاتحاد السوفيتي. بفضل أعماله، رشّح والنبرغ مرتين لنيل جائزة نوبل للسلام كما منحته العديد من الدول، كالولايات المتحدة الأميركية وكندا، الجنسية الفخرية.

بعد مضي 71 عاما عن اختفائه، أعلنت السويد رسميا خلال تشرين الأول/أكتوبر 2016 عن تسجيل والنبرغ كشخص متوفي بسجلاتها.

Original Article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

%d مدونون معجبون بهذه: