مع نهاية الحرب العالمية الثانية التي استمرت لنحو ست سنوات وأسفرت عن سقوط ما يزيد عن 60 مليون قتيل، غاص العالم بأهوال الحرب الباردة التي مثلت صراعا غير معلن بين المعسكرين الشرقي والغربي. وارتكز هذا الصراع على عدة عناصر كان أبرزها الحروب بالوكالة والجوسسة والسباق نحو الفضاء وسباق التسلح.
ففي خضم ذلك، سعت كل من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفيتي بشتى السبل للحفاظ على سرية آخر الابتكارات والتكنولوجيا العسكرية اللتين توصلتا إليها.
في الأثناء، عرفت الولايات المتحدة الأميركية خلال الستينيات فضيحة عسكرية غير مسبوقة بتاريخها. فبدون قصد، سلّم الأميركيون تكنولوجيا عسكرية حساسة للسوفييت متسببين بذلك في تغييرات هامة بمنحى الحرب الباردة.
صواريخ إيه آي إم-9 سايدويندر بتايوان
وتعود أطوار هذه الحادثة للعام 1958. فخلال تلك السنة، أمر الزعيم الصيني ماو تسي تونغ القوات الجوية بجيش التحرير الشعبي، بالصين القارية الملقبة أيضا بجمهورية الصين الشعبية، بالاستعداد لغزو تايوان، المعروفة أيضا بجمهورية الصين، وقتال القوميين المدعومين من الولايات المتحدة الأميركية. وفي هذا السياق، وضع جيش التحرير الشعبي هدفا أولا تمثل في بسط هيمنته الجوية على جزيرتي كنمن (Kinmen) وماتسو (Matsu) اللتين كانتا قابعتين تحت سيطرة السلطات القومية بتايوان.
ومع بداية القصف على هاتين الجزيرتين، وافق الأميركيون على تزويد سلاح الجو التايواني بأسراب من طائرات أف 86 سابر (F-86 Sabre) التي واجهت بدورها مصاعب جمة في مقارعة مقاتلات ميغ 15، سوفيتية الصنع، التي امتلك جيش التحرير الشعبي أعدادا كبيرة منها.
وأمام التفوق العددي لطائرات جيش التحرير الشعبي، وافق الأميركيون على تزويد عدد من طائرات أف 86 سابر التايوانية بصواريخ جو- جو إيه آي إم-9 سايدويندر (AIM-9 Sidewinder) الحديثة وأرسلوا فريقا مختصا للإشراف على تثبيتها بشكل جيد على الطائرات.
التكنولوجيا بيد السوفييت
يوم 24 أيلول/سبتمبر 1958، التحمت 48 مقاتلة أف 86 سابر تايوانية في قتال شرس ضد أكثر من 100 طائرة، من نوع ميغ 15 وميغ 17، تابعة لجمهورية الصين الشعبية قرب منطقة شانتو (Shantou). واعتمادا على صواريخ إيه آي إم-9 سايدويندر، نجح التايوانيون في إسقاط نحو 9 طائرات صينية دون أن يتكبدوا أية خسائر. لكن ولسوء حظ الأميركيين، أصيبت إحدى طائرات ميغ 17 الصينية بصاروخ إيه آي إم-9 سايدويندر علق بهيكلها دون أن ينفجر. وعلى الفور، عاد قائد هذه الطائرة نحو قاعدته لتحصل بذلك جمهورية الصين الشعبية على نسخة من هذا الصاروخ الحديث الذي كان قادرا على إصابة هدفه من مسافة بعيدة.
إلى ذلك، أرسل الصينيون هذا الصاروخ نحو موسكو. وهنالك، تكفلت فرقة مهندسين سوفييت، بقيادة المهندس إيفان توروبوف (Ivan Toropov)، بتفكيكه لفهم التكنولوجيا المعتمدة لصناعته.
أسفرت الأبحاث على صاروخ إيه آي إم-9 سايدويندر الأميركي عن إنتاج نسخة سوفيتية منه حملت اسم كا 13 (K-13). وخلال السنوات القليلة التالية، انتشر استخدام الصاروخ السوفيتي بأكثر من 20 دولة كان من ضمنها فيتنام التي واجه بها الأميركيون مصاعب جمّة.