تحل ذكرى وفاة السلطان العثماني مراد الخامس، اليوم السبت، وهو الذي رحل في التاسع والعشرين من شهر آب/أغسطس سنة 1904.
ويعتبر مراد الخامس الذي ولد في 22 أيلول/سبتمبر عام 1840، والذي كان اسمه لحظة ولادته، محمد مراد، صاحب أقصر فترة حكم في تاريخ سلاطين الدولة العثمانية، إذ قضى 93 يوماً، فقط، في منصب السلطان، بعدما تمّ خلعه 1876، وتعيين السلطان المشهور عبد الحميد الثاني مكانه.
وتوفي السلطان العثماني مراد الخامس، وترتيبه الثالث والثلاثون بين سلاطين العثمانيين، في مثل هذا اليوم، بعد حياة قضاها أقرب للسجن منها، إلى الحياة الحرة، فقد أصيب بالجنون، وهو على سدة الحكم، عندما بدأت بوادر الخلل العقلي تظهر عليه، أول مرة، عندما ألقى بنفسه فجأة، في حوض سباحة، بحسب المؤرخ التركي صالح كولن، في موسوعته "سلاطين الدولة العثمانية" الممهّد له بمقدمة طويلة، كتبها حفيد السلطان مراد الخامس نفسه، عثمان عثمان أوغلو.
حاول الانتحار بإلقاء نفسه من النافذة
وكان مراد الخامس يشتكي مراراً من آلام صداع هائلة في رأسه، ونصحه الأطباء بالانتقال للإقامة في قصر "يلدز" إلا أنه "أصبح من الواضح أنه فقد قدراته العقلية" خاصة وأن شعب السلطنة بدأ يتهامس أن "السلطان قد جُنَّ" على ما ذكره المصدر السابق.
وعملت حكومة العثمانيين "على التغطية" على أمر جنون السلطان الذي يحكم تركيا وغالبية المنطقة العربية في ذلك الوقت، وهو على رأس عمله يدير شؤون الناس والسياسة الخارجية ومختلف ملفات الاقتصاد والحروب ومعالجة القلاقل التي كانت تهزّ السلطنة، وقتذاك، خاصة وأن السلطان السابق لمراد الخامس، وهو عبد العزيز، قد اغتيل في اليوم الخامس لتولي مراد سدّة الحكم، فكانت البلاد تغلي على وقع كل هذه الأحداث، وفيما كان مراد عائداً من نشاط رسمي يحييه في أحد المراسم السلطانية، قام بتحطيم زجاج نافذة في القصر الذي يقيم فيه، وسعى إلى الانتحار بإلقاء نفسه من النافذة التي حطم زجاجها من أجل تمكينه من مراده.
ويشار إلى أن المحاولة الفاشلة للسلطان، بقتل نفسه، بعدما تم منعه من ذلك، دفعت الأطباء لإعادة إجراء الفحوص عليه، فكانت نتيجة تلك الفحوص، تؤكد أن فرص تعافيه "ضئيلة للغاية" وهي صيغ تخاطب ملطّفة عن حالة السلطان العقلية الحقيقية التي كانت من السوء، أن دفعت إلى المسارعة إلى خلعه، بالتشاور مع وريثه اللاحق في ما بعد، وهو السلطان عبد الحميد الثاني 1842-1918م.
اختطف 3 مرات بعد خلعه
في المقابل فإن التصدعات العنيفة التي كانت تضرب العثمانيين في تلك الفترة، وهي المرحلة التاريخية التي توجت بانهيارها، لاحقاً، انعكست على خلع مراد الخامس نفسه، فقام المعارضون لنظام عبد الحميد الثاني الذي حل خلفا له، باتهامه بأنه استولى على السلطة من سلفه، ظلماً، فقام عبد الحميد، ولإسكات أصوات معارضيه، بإعادة عرض سلفه السابق على لجنة أطباء، إنما هذه المرة، مشكلة من أطباء أتراك وأجانب، لنفي شبهة التأثير على التشخيص الطبي، فكانت النتيجة، أن السلطان السابق مراد الخامس "لا يزال يعاني من خلل عقلي، وأن علاجه ليس ممكنا".
ومن الجدير بالذكر، أن السلطان مراد الخامس، ليس فقط صاحب أقصر فترة حكم في تاريخ سلاطين العثمانيين، كما يقول المؤرخ التركي كولن، بل هو صاحب حياة مليئة بالأعاجيب، فقد كان السلطان المميز في تاريخ السلطنة العثمانية، حيث تعرّض للخطف بعيد خلعه عن عرش السلطنة، ثلاث مرات متتالية، على يد معارضين لنظام الحكم، قبض عليهم في كل مرة، ثم زجهم في السجون.
وتشير المعلومات التي اطلع عليها وأكدها، حفيده عثمان أوغلو، بأن السلطان مراد الخامس، عاش حياة المسجونين عملياً، بعد تعرضه للخطف مرات عديدة، فقضى قرابة ثلاثين سنة من عمره، يعيش قيد مراقبة مشددة لحمايته من التعرض للخطف مرة أخرى، لتعلن وفاته بسبب إصابته بمرض السكري في 29 آب أغسطس عام 1904م.
السلطان عبد الحميد الثاني يشهّر به!
ويقول عثمان أوغلو، حفيد السلطان محمد الخامس، عن كتاب "سلاطين الدولة العثمانية" الذي مهّد له، بأنه مصنف هام، متقدما بالشكر لمؤلفه صالح كولن، معبراً عن احتفائه "بذكرى" أسلافه وأجداده، كما قال في خاتمة مقدمته.
وأشار السلطان عبد الحميد الثاني، في مذكراته، أكثر من مرة إلى سلفه مراد الخامس، وأكد أنه تعرض "للتجريح" بسببه وبسبب الشائعات التي أطلقها معارضوه عن ملابسات خلعه. فقال إن مراد الخامس "رحمه الله، كان يفتقر إلى العلم والكمال" مشيراً إلى أنه كان "ضعيفاً في الإملاء والإنشاء" وأن من انتقدوه وجرّحوه بعد خلعه، فعلوا ذلك "بهدف تصوير السلطان مراد، للشعب، بصورة العالم والشاعر والوطني" بحسب مذكرات عبد الحميد الذي سعى، بالوثائق، لإثبات الضعف اللغوي عند مراد الخامس، فنشر رسالة كان كتبها مراد، بما فيها من أخطاء، واضعاً خطوطاً تحت الأخطاء اللغوية التي ارتكبها سلفه "مراد أفندي" كما يسميه، قبل أن يصبح سلطاناً، ثم تعرض للخلع، إثر إثبات فقدانه قدراته العقلية، وهو على سدّة حكم الدولة العثمانية.