راهب حاول القيام بإصلاحات.. فأعدموه حرقاً

عقب موجة الطاعون الأسود التي أسفرت خلال القرن الرابع عشر عن وفاة ما لا يقل عن ثلث الأوروبيين، شهدت القارة الأوروبية طيلة القرنين التاليين تغييرات وتطورات فكرية جاءت لتنقد النظريات القديمة التي ظلّت سائدة لقرون. وما بين القرنين الخامس عشر والسادس عشر، ظهر بأوروبا العديد من الرهبان والعلماء الذين جاؤوا بنظريات علمية جديدة مخالفة لتلك التي روّجت لها الكنيسة منذ قرون، حيث أكّد البولندي نيكولاس كوبرنيكوس (Nicolaus Copernicus) على مركزية الشمس ضاربا بذلك عرض الحائط النظرية السابقة حول مركزية الأرض. وبعد قرن من الزمن، دافع العالم الإيطالي غاليلو غاليلي (Galileo Galilei) عما جاء به كوبرنيكوس ونقد نظريات الفيلسوف الإغريقي أرسطو حول الحركة مثبتا خطأها ليفتح بذلك طريق الملاحظة والتجربة ويثير غضب المدافعين عن أبحاث أرسطو.

وأثناء نفس الفترة، شهدت أوروبا ظهور تيار إصلاح ديني نقد سلطة الكنيسة تزعمته عدد من الشخصيات من أمثال الراهب والقسيس مارتن لوثر (Martin Luther) الذي نقد ظاهرة صكوك الغفران وعوقب فيما بعد بالنفي والحرمان الكنسي بعد أن اتهم بالهرطقة. إلى ذلك، يعدّ مارتن لوثر محظوظا مقارنة بما حصل لآخرين كجودانو برونو (Giordano Bruno) ويان هوس (Jan Hus) اللذين نالا عقابا قاسيا وأعدما حرقا بعدما واجها تهما مماثلة.

بداية يان هوس

وقد ولد يان هوس في حدود العام 1372 بقرية هيوسيناك (Husinec)، التابعة لمملكة بوهيميا بالإمبراطورية الرومانية المقدسة والموجودة حاليا بجمهورية تشيكيا، لعائلة فقيرة. وقد درس الأخير بجامعة براغ بمجال علم اللاهوت والفنون الليبرالية فدرّس الفلسفة وقرأ للمصلح المسيحي جون ويكليف (John Wyclif) الذي دعا لنوع من الاستقلالية عن البابا بإنجلترا.

خلال العام 1400، أصبح يان هوس راهبا ونال خلال العام التالي رتبة عميد كلية علم اللاهوت ببراغ فاتجه لتقديم خطب باللغة التشيكية حضرها كثيرون طالب من خلالها بإدخال إصلاحات على الكنيسة. إلى جانب ذلك، أولى يان هوس اهتماما كبيرا بلغته الأم فترجم العهد الجديد نحو اللغة التشيكية مؤكدا على ضرورة توفره بجميع اللغات.

إصلاحات يان هوس

وألّف يان هوس كتبا نقد من خلالها ممارسات الكنيسة والامتيازات التي حصل عليها رجال الدين كما عارض بشدّة إحراق مطرانية براغ لكتابات جون كليف واصفا ذلك بأنه تكبيل للفكر.

سنة 1411، تعرّض يان هوس لأول مرة للحرمان الكنسي إلا أنه نجا من هذه العقوبة بفضل تدخل الملكة صوفيا. ومرة أخرى، اتجه هوس لكتابة مزيد من الكتب نقد من خلالها نظرة الكنيسة الكاثوليكية للعديد من المسائل اللاهوتية فطالب بالعودة لما سماه بالنقاء الإنجيلي لإنقاذ الكنيسة الكاثوليكية من أزمة الانشقاق الباباوي الكبير الذي أدى منذ عقود لظهور باباوين في آن واحد اتخذ أحدهما روما مقرا له واتخذ الثاني أفنيون الفرنسية مركزا لسلطته. من ناحية ثانية، راجع يان هوس العهد الجديد الذي كتبه بالتشيكية وكتب رسائل عديدة لزملائه وأتباعه أكد من خلالها عن في إصلاحات بالكنيسة تؤدي لإحلال العدل.

حرق يان هوس

خلال السنوات التالية، منح المسؤولون بالكنيسة الأمان ليان هوس ودعوه لحضور مجمع كونستانس (Constance)، الذي عقد لإنهاء الأزمة الباباوية، وتفسير وجهة نظره. وعقب حضوره مطلع شهر تشرين الثاني/نوفمبر 1414 اعتقل يان هوس عقب إدانته من قبل أعدائه ببوهيميا ووجهت إليه تهم بالهرطقة والتجديف.

مطلع شهر حزيران/يونيو 1415، بدأت محاكمة يان هوس واستمرت شهرا كاملا تعرض خلالها الأخير لشتى أنواع التعذيب قبل أن يصدر في حقه حكم بالإعدام حرقا.

يوم 6 تموز/يوليو 1415، اقتيد يان هوس نحو منصة الإعدام بإحدى ساحات مدينة كونستانس، الواقعة حاليا بجنوب ألمانيا، فجرّد من ثيابه وشدّ وثاقه باستخدام السلاسل نحو أحد الأعمدة التي وضع تحتها حطب كثير. وقبيل تنفيذ الحكم، طلب المارشال الإمبراطوري فون بابنهايم (von Pappenheim) من هوس التراجع عن أقواله وإنقاذ حياته إلا أن الأخير رفض ذلك مفضلا الموت حرقا.

خلال الفترة التالية، أعلنت جامعة براغ يان هوس شهيدا قبل أن يتحول هذا الراهب لشخصية مهمة بتاريخ التشيكيين. وخلال السنوات التالية، صدّ أتباع هوس العديد من الحلات الصليبية التي شنت ضدهم ضمن ما عرف لاحقا بالحروب الهوستية.

Original Article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

%d مدونون معجبون بهذه: