يصنف فريتيوف نانسين (Fridtjof Nansen) كواحد من أشهر الشخصيات التاريخية النرويجية. فما بين القرنين التاسع عشر والعشرين، ساهم هذا المغامر النرويجي في اكتشاف أجزاء هامة من المنطقة القطبية الشمالية وتحوّل سريعا لقدوة ومصدر إلهام للعديد من المستكشفين الذين توغلوا فيما بعد بالقطب الشمالي. وإضافة لذلك، قدّم هذا المستكشف النرويجي الكثير لمجالي علم الحيوان وعلم المحيطات كما صنف كأول إنسان يعبر جرينلاند (Greenland) على متن الزلاجات.
وإضافة لإسهاماته الاستكشافية والعلمية، حظي فريتيوف نانسين بجانب إنساني مكّنه من الحصول على جائزة نوبل للسلام عام 1922. فأثناء فترة الحرب العالمية الأولى، ساعد الأخير أسرى الحرب والمهجّرين بأوروبا كما مدّ يد العون للأرمينيين الفارين من الأتراك خلال فترة إبادة الأرمن التي أودت بحياة نحو 1.5 مليون أرميني وساعد الروس أثناء المجاعة التي تلت الثورة البلشفية.
تفشي المجاعة
فبسبب الحرب الأهلية التي اندلعت عقب الثورة البلشفية، عاشت روسيا ما بين عامي 1921 و1922 على وقع مجاعة أسفرت عن سقوط ملايين الضحايا. وإضافة للحرب الأهلية التي تسببت في تعطيل الاقتصاد وأغلب الأنشطة الفلاحية، عاشت روسيا عام 1921 على وقع موجة جفاف أتلفت خمس المحاصيل لتتعقد بذلك وضعية الروس الذين عجزوا عن جمع قوت يومهم.
وعلى حسب شهادة كثيرين ممن زاروا الأراضي الروسية أثناء فترة المجاعة، لجأ العديد من الروس لأكل القطط والكلاب كما عمد آخرون لأكل جثث الموتى لسد رمقهم عقب نفاد المؤونة. وقد تعقّدت وضعية الروس أكثر فأكثر ما بين عامي 1921 و1922 بسبب سياسة البلشفيين. فتزامنا مع تراجع الكميات الغذائية، عمد المسؤولون الشيوعيون لمصادرة الحبوب من الفلاحين لإطعام أفراد الجيش الأحمر مساهمين بذلك في زيادة حجم معاناة الروس.
وأمام تواصل ارتفاع عدد الضحايا، أطلق البلشفيون صيف عام 1921 نداء استغاثة للعالم مطالبين بمد يد العون للشعب الروسي وبقية سكان الاتحاد السوفيتي المقدر عددهم بنحو 90 مليون نسمة.
طعام لأكثر من مليون روسي
وبسبب العداء بين البلشفيين والغرب، احتاج المجتمع الدولي لشخصية محايدة لقيادة المهمة الإنسانية نحو الأراضي السوفيتية. وبناء على ذلك، لقيت شخصية فريتيوف نانسين استحسان الجميع. وبموافقة ودعم منظمة عصبة الأمم، حلّ نانسين بروسيا، التي كانت جزءا من الاتحاد السوفيتي، لتفقد الوضع. وهنالك، قدّم المستكشف النرويجي وصفا للحالة المزرية للروس فتحدّث عن أشخاص كانوا أشبه بهياكل عظمية بالشوارع كما وصف أطفالا شبه عراة عانوا من سوء التغذية والأمراض وأكّد على اكتظاظ المقابر وانتشار الجثث بالطرقات.
مع مغادرته للأراضي السوفيتية، قاد نانسين جولة بالدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية عرض خلالها صورا محبطة عن هول المجاعة بروسيا السوفيتية.
وإضافة لنجاحه في الحصول على دعم قادة العديد من الدول، تمكن نانسين من تحسيس الرأي العام بخصوص ما يحدث بالاتحاد السوفيتي ليحصل بفضل ذلك على تبرعات من عامة الناس ومنظمات أخرى من المجتمع المدني كجمعية الكويكرز (Quakers) وجمعيات حماية الأطفال.
وبفضل هذا المستكشف النرويجي، حلّ بالأراضي الروسية العديد من أتباع ومناصري حملة نانسين لتفتتح بذلك أعداد هامة من المطابخ المتنقلة التي قدّمت وجبات للمحتاجين بدير اليتامى ومحطات القطار والمصانع. وعلى حسب مصادر تلك الفترة، قدمت هذه المطابخ وجبة يومية تكونت من نصف لتر من الحساء و100 غرام من الخبز للمحتاجين كما منحت أيضا للروس كميات هامة من الطحين والأرز واللحم المعلب وسمك السردين.
بفضل ما قدّمه نانسين، نجا عدد كبير من الروس من المجاعة. فحسب الإحصائيات، وفرت المطابخ التي رافقت مهمة نانسين طعاما لأكثر من 1.5 مليون روسي.