منذ صعود أدولف هتلر وتوليه زمام الأمور بألمانيا عقب حصوله على منصب المستشار يوم 30 من شهر يناير/يناير 1933، باشر الحزب النازي ببسط نفوذه على ألمانيا عن طريق عدد من القوانين التي سرعان ما زجّت بكثير من المعارضين خلف القضبان خاصة عقب حادثة حريق مبنى البرلمان، المعروف بالرايخستاغ "Reichstag"، أواخر شهر شباط/فبراير من نفس السنة.
ومع وفاة الرئيس باول فون هيندنبورغ "Paul von Hindenburg" يوم 2 آب/أغسطس 1934، زالت العقبة الأخيرة من أمام أدولف هتلر الذي سرعان ما دمج صلاحيات الرئيس والمستشار بين يديه ليباشر إثر ذلك بممارسة دكتاتورية مطلقة بالبلاد استمرت حتى يوم انتحاره يوم 30 نيسان/أبريل 1945 تزامنا مع تدخل الجيش الأحمر السوفيتي ببرلين.
صورة الرجل الذي تحدى النازيين
وفي خضم فترة الحكم الدكتاتوري لأدولف هتلر، برزت سنة 1936 صورة فريدة من نوعها لرجل تحدى النظام النازي بطريقة بسيطة.
فخلال فترة عمله بمصنع السفن بلوم+فوس (Blohm+Voss) بهامبورغ (Hamburg) رفض هذا الرجل تأدية التحية النازية تزامنا مع عملية تدشين إحدى السفن.
ومن بين الجماهير الغفيرة التي أدت التحية، فضّل الأخير ثني ذراعيه لتلتقط عدسات الكاميرا صورة واضحة له بين الحاضرين.
وعلى حسب العديد من المصادر التاريخية، يصنّف الألماني أوغست لاندميسر (August Landmesser)، المولود يوم 24 أيار/مايو 1910 بمنطقة موريجي (Moorrege) بشمال ألمانيا، بالرجل الذي رفض أداء التحية النازية بالصورة حيث تحول الأخير لمعارض لأدولف هتلر بعد أن كان عضوا بالحزب النازي لسنوات.
وقد التحق هذا الرجل الألماني بالحزب النازي وهو في الواحدة من العشرين من العمر أملا في الحصول على وظيفة أثناء فترة عانت خلالها ألمانيا وبقية دول العالم من أزمة اقتصادية خانقة تلت حادثة انهيار بورصة وول ستريت بالولايات المتحدة الأميركية عام 1929.
طرد من الحزب النازي وقوانين عنصرية
لكن بعد مضي 4 سنوات فقط، أقصي أوغست لاندميسر من الحزب النازي بسبب قصة حب جمعته بامرأة تدعى إيرما إكلير (Irma Eckler) تحدّث المسؤولون الألمان حينها عن أصولها اليهودية.
وتزامنا مع ذلك، حاول أوغست الزواج من إيرما إلا أن القوانين العنصرية النازية التي وضعت عام 1935، وعرفت بقوانين نورمبرغ، حرّمت الزواج بين ما أطلق عليه بالعرق الآري الألماني واليهود ومنعته بذلك من إتمام رغبته بالزواج.
على الرغم من ذلك، واصل أوغست لاندميسر حياته في الخفاء مع إيرما إكلير وأنجبا في حدود العام طفلة.
أمام هذا الوضع، حاول أوغست عبور الحدود الألمانية الدنماركية خلسة رفقة إيرما وابنته إلا أنه وقع في قبضة الشرطة الألمانية ليمثل أمام القضاء بتهمة مخالفة قوانين نورمبرغ حول الأعراق وإنجابه لفتاة مع امرأة يهودية.
أثناء المحاكمة، تمكّن أوغست من النجاة ليعود مجددا لعائلته بعد أن تحدّث عن عدم معرفته بأصول إيرما.
وبعد مضي عامين فقط، اعتقل الأخير مجددا بسبب تواصل مخالفته لقوانين نورمبرغ ليرسل حينها نحو أحد مراكز الاعتقال الجماعي أين قضى 3 سنوات خلف القضبان.
نهاية الرجل.. ورد اعتبار
تزامنا مع ذلك، اعتقلت قوات الغيستابو (Gestapo) الألمانية إيرما وأرسلتها نحو أحد السجون، ورزقت بمولودتها الثانية قبل أن تنقل إثرها نحو أحد مراكز الاعتقال الجماعي، وهناك أعدمت برفقة الآلاف مطلع العام 1942.
وفي العام 1941، أطلق سراح أوغست لاندميسر الذي أجبر على العمل بعدد من المصانع الحربية قبل أن ينقل نحو إحدى فرق الجيش على الجبهة بكرواتيا وهناك قتل سنة 1944.
وكرد اعتبار لهما، صادق المسؤولون بهامبورغ الألمانية خلال صيف عام 1951، أي بعد 6 سنوات عن نهاية الحرب العالمية الثانية ورحيل النازيين، على زواج كل من أوغست وإيرما لتحصل بذلك ابنتاهما اللتان عاشتا بإحدى دير الأيتام على لقبهما بشكل رسمي.