في خضم الثورة الفرنسية، أرسل عدد كبير من الفرنسيين، ممن اتهموا بالخيانة ومساندة النظام السابق والتحالف مع أطراف أجنبية، نحو المقصلة عقب محاكمات كانت في الغالب مبنية على شهادات كاذبة. وخلال فترة عهد الرعب التي امتدت حسب أغلب المؤرخين ما بين 5 أيلول/سبتمبر 1793 و28 تموز/يوليو 1794، الذي يوافق تاريخ سقوط وإعدام ماكسيمليان روبسبيار (Maximilien Robespierre)، أعدمت فرنسا نحو 17 ألفا من مواطنيها عن طريق المقصلة.
فضلا عن ذلك، امتدت شفرة المقصلة لتطال رقاب عدد من كبار قادة الثورة الفرنسية حيث يدّون التاريخ أسماء كل من جورج دانتون (Georges Danton) وكامي ديمولان (Camille Desmoulins) اللذين أعدما يوم 5 نيسان/أبريل 1794 وجاك رينيه هيبارت (Jacques-René Hébert) الذي أعدم يوم 24 آذار/مارس 1794 وعمدة باريس، قارئ قسم لعبة الكف الشهير، جان سيلفان بايي (Jean Sylvain Bailly) الذي نفّذ فيه حكم الإعدام يوم 12 تشرين الثاني/نوفمبر 1793.
أيد إعدام لويس السادس عشر وغيّر التقويم
وإضافة لكل هذه الأسماء البارزة، يذكر التاريخ أيضا اسم شارل جيلبرت روم (Charles-Gilbert Romme)، المعروف أكثر باسم جيلبرت روم، حيث كان الأخير واحدا من رجال الثورة وارتبط اسمه بشكل وثيق بتغيير التقويم بالجمهورية الفرنسية. وخلافا لأولئك الذين صعدوا على منصة الإعدام زمن الثورة، رفض هذا السياسي الفرنسي ذل المقصلة وفضّل إنهاء حياته بنفسه عقب صدور حكم إعدام بحقه.
وينحدر جيلبرت روم من عائلة بورجوازية من منطقة ريوم (Riom) وقد أنهى الأخير دراسته بمعهد باريس وعمل ما بين عامي 1779 و1790 كمرافق للنبيل الروسي بافل ألكسندروفيتش ستروغانوف (Pavel Alexandrovich Stroganov). ومطلع العام 1790، أسس الأخير جمعية أصدقاء القانون فكسب بفضل ذلك شعبية كبيرة ساهمت في التحاقه بالمجلس الوطني سنة 1791 والمؤتمر الوطني بداية من شهر أيلول/سبتمبر 1792.
وأثناء مشاركته بالمؤتمر الوطني، أيد جيلبرت روم إعدام الملك لويس السادس عشر وساهم بشكل كبير في وضع أسس التقويم الجمهوري الفرنسي الذي تم بموجبه تغيير أسماء الأيام والأشهر بهدف إنشاء تقويم جديد خاص بالفرنسيين ومخالف للتقويم المعتمد من قبل الكنيسة والملكيين سابقا.
انتحار بطريقة سقراطية
مع رحيل روبسبيار، عاد جيلبرت روم مجددا للمؤتمر الوطني والتحق بمجموعة من النواب، عرفوا بمجموعة كريتوا (crêtois)، شاركت يوم 20 أيار/مايو 1795 في محاولة انقلابية فاشلة انتهت بإعتقال روم وعدد من رفاقه.
خلال الفترة التالية، مثل 11 من المتهمين بالمحاولة الإنقلابية أمام المحكمة العسكرية لتصدر في حق 6 منهم أحكام بالإعدام.
وقبيل اقتيادهم نحو منصة الإعدام، وضع هؤلاء المتهمون الستة خطة لإنهاء حياتهم بطريقة سقراطية، تشبها بطريقة الفيلسوف سقراط الذي أجبر على تجرّع السمّ، لتجنّب ما وصفوه حينها بذل المقصلة.
وفي انتظار صعودهم للعربة التي ستقودهم لساحة الإعدام يوم 17 حزيران/يونيو 1795، باشر المتهمون بالإنتحار عن طريق طعن أنفسهم الواحد تلو الآخر. وقد عمد جيلبرت روم لسحب السكين من صدر صديقه النائب غوجون (Goujon) قبل أن يوجه لنفسه طعنات عند مستوى الوجه والرقبة والقلب أدت لوفاته بعد دقائق.
ومن بين الستة المحكومين بالإعدام، تمكن ثلاثة، من بينهم جيلبرت روم، من تحقيق هدفهم بوضع حد لحياتهم قبل بلوغ المقصلة، بينما فشل البقية في ذلك وأعدموا في وقت لاحق من نفس اليوم.