آلام وآمال، خبز وملح وعشرة عمر، عاشت فصولها مليون إنسانة عربية في فضاء ملتقى "سيدات الشارقة" أكبر تجمع نسوي على فيسبوك. بطلاته سيدات عربيات من مختلف دول العالم، ارتبطن به وجدانياً منذ أكثر من 7 سنوات على تأسيسه، صار يمثل بالنسبة لهن بيتاً ووطناً وذكريات، يتلمسن عبره مشكلات بعضهن بمنتهى الخصوصية. جميعهن يتفاعلن لطرح حلول أو نصائح من واقع تجارب أو سابق معاناة، تجمعهن أواصر أخوة وصداقة تدوم، تتعدى هذا "المنزل الرقمي" لتخرج إلى الواقع.
يجتمعن في مناسبات مختلفة، يتبادلن التعارف ليعمقن الود بألفة، يتشاركن في حملات خيرية لإسعاد قلوب كثيرات، دون أن يتأخرن في تقديم مبادرات لرسم بسمة بوجوه أيتام. جميعهن يدركن أن المعاناة واحدة، وأن الخير مثل العمر يدور ويدور، وأن الأحوال كلها تتغير في كنف غربة توزع حلوها ومرّها، ولا تستقر على حال.
مؤثرة هندست حياة الكثيرات
هذا الملتقى، هو مبادرة اجتماعية نسوية، أسستها المهندسة الشابة رزان أبو دقة، وعايشت فصول نجاحه من الصفر، فمن غرف دردشة بحثاً عن صديقات جدد، إلى أكثر نجمة مؤثرة تدير شؤون مليون سيدة عربية في أكبر تجمع اجتماعي عربي على فيسبوك.
رزان شابة فلسطينية مؤثرة برتبة مهندسة معمارية، يتابعها على صفحتها بإنستغرام 200 ألف متابع، صنعت فارقاً جوهرياً في حياة كثيرات، عبر ملتقى اجتماعي، يوصف بأنه "منزل ثان" لكل عضوة، تجد فيها متنفساً وشغفاً وإلهاماً يلهب إرادتها ويفتح وعيها على أمور كثيرة، ليس أولها الاستفادة من تجارب أخريات، ولا آخرها اكتساب خبرات مجانية.
مبادرات خيرية ومعونات إنسانية
في حديث خاص ل "العربية .نت" قالت رزان إنها تسعى إلى تحويل هذا الملتقى إلى "مؤسسة اجتماعية" على أرض الواقع، لمواصلة تقديم أنشطة وخدمات مجتمعية والانخراط في مبادرات خيرية ومعونات إنسانية لأكبر شريحة من السيدات في الإمارات وخارجها.
برامج لايف للصحة والتربية وتفسير الأحلام
وأضافت: "من ضمن أجندات الملتقى أنه يبث لقاءات حية من خلال برامج "لايف" التي تتنوع كل أسبوع، ويتم خلالها استضافة طبيبات متخصصات يقدمن استشارات مجانية، ومحاميات يستقبلن استفسارات سيدات لتقديم إرشادات أسرية وقانونية، واختصاصية في تربية الطفل، وخبيرات تغذية لحياة صحية خالية من الضغوط، كما يخصص الملتقى فسحة ترفيه تفاعلي، عبر استضافة مفسرة أحلام وخبيرة أبراج، وبين حين وآخر، يفاجئ عضواته بتقديم خصومات مغرية على مدارس وعيادات ومراكز تجميل إلى جانب خدمات وكماليات أخرى".
مزحة لكسب صديقات جدد
حكاية الملتقى لم تولد مصادفة، بحسب رزان بل كانت محض مزحة لا أكثر لمجرد كسب صديقات جدد وسط بيئة جديدة لا تعرف فيها أحداً، رزان التي غيرت مكان سكنها وشاءت لها الظروف أن تغدو مغتربة في نفس البلاد التي ولدت ونشأت وترعرعت فيها، جاءت من إمارة أبوظبي، فتركت أهلها وعملها وصديقاتها، لتضع نفسها في تحدٍ عائلي صعب، فرضته ظروف لانتقالها إلى الشارقة.
عالم مختلف بأفكار إيجابية
رزان خريجة كلية الهندسة من جامعة الحصن بأبوظبي، عام 2011، عملت مهندسة مدة 3 سنوات، وفي العام 2014 أسست ملتقى سيدات الشارقة، لتصنع عالماً مختلفاً يؤثث لطموحها وتحقق عبر أحلام السيدات، بعدما فقدت وظيفتها في شركة هندسية، وتابعت: "عندما قررت فتح صفحة فيسبوك، كنت أريد فقط، تكوين علاقات مع صديقات جدد في نفس الإمارة، فكنت أكتب عن يومياتي في تدبير شؤون حياتي، وخلال سنة واحدة، توسع الملتقى وزاد عدد المتابعات، فأدركت أنني نجحت في إحداث تغيير إيجابي في فكر نساء كثيرات، وكنت دائماً أحثهن على ضرورة اندماج المرأة بمجتمعها، لتكون فاعلة ومؤثرة وسط أسرتها.
انقلاب ناعم ضد نمط حياة تقليدي
إلى ذلك، استطاعت رزان تحقيق معادلة التوازن بين كفة التزامها الأسري بكونها أماً لطفلين، وبين إدارة شؤون الملتقى، لتلبية اهتمامات مليون سيدة عربية في الإمارات وخارجها، من دون أن تغفل رسالتها المتجددة دائماً في بث قيم الأمل الإيجابية، ودعوة السيدات إلى استثمار مهاراتهن وهواياتهن لشنّ "انقلاب ناعم" على نمط حياتهن لكي ينتقلن من زاوية الاعتماد التقليدي إلى رحابة الاكتفاء الذاتي، وتنصح كل امرأة بضرورة خوض رحلة مستقلة في حياتها سواء من خلال تأمين وظيفة مستقرة أو مصدر دخل خاص بهن أو مغامرة تأسيس مشروع صغير يضمن لها استشراف المستقبل بعقلية منتجة.
مبادرات مجتمعية ووقفات نبيلة
لم تكن رزان (30 عاماً)، تتوقع للحظة أنها بهذه الرحلة، ستتمكن من تغير حياتها، وتهندس حياة الكثيرات بعنفوان شخصيتها، وإشعاعات تأثيرها الناعم الذي لطالما ترجمته عبر مبادرات مجتمعية ووقفات نبيلة لإسعاد حال الكثيرات، بأسلوب عطاء متجدد في كل مرة، يمتد لمد يد العون لسد رمق عيش البعض، وتقديم دعم معنوي لتخفيف حمولة هموم تعيشها أخريات.
تمضي رزان في تنظيم "بازارات" لاستقطاب سيدات حرفيات يعملن من منازلهن، مهتمات يمتلكن صنعة أو موهبة في مجالات طبخ أو خياطة وتصميم أو إعداد حلويات وتنسيق زهور وغيرها، لتمنحهن مساحة في معرض، لتمكينهن من بيع منتجاتهن لجمهور الزائرات، وتشجيعهن على تأسيس مشاريعهن الصغيرة، والاحتفاء بقصص عطائهن وإبداعاتهن ونشر تجاربهن على ساحة الملتقى، بوصفهن يمثلن إشعاع إلهام يضيء طريق أخريات.
أياد بيضاء تفك ديوناً وتزيل هموماً
لا يكف الملتقى عن ضخ فعالياته، فلا يدخر فائدة تهمّ سيدة أو عائلة، إلا وعرضها على عضواته، يقدم العون والدعم بكافة أشكاله، قصص كثيرة وبوستات مثقلة بالهموم والمعاناة تتصدر ساحة النشر العام، يتلقفها الجميع بأياد بيضاء، تتسابق كثيرات لتسطير موقف نبيل أو منح مساعدة تفك ديناً أو تزيل هماً ثقيلاً عن إحداهن، لا يريد الملتقي أن يكون مجرد ساحة للنقاش بل يتعدى ذلك ليترجم العطاء إلى فعل حقيقي.
فساتين عرس وعمليات أطفال أنابيب
فيسعى إلى توسعة نشاطاته الملهمة، لتشمل أسراً متعففة وسيدات متعسرات خذلتهن ظروف وأنهكتهن قسوة عيش ومرارة احتياج، فيبادر الملتقى لجبر الخواطر، بلمسات إنسانية، فتارة تقدم 10 عمليات أطفال أنابيب ليحقق حلم زوجين بإنجاب مولود جديد، ومرة يدخل البهجة إلى قلب فتاة في ليلة زفافها، فيمنح 20 فستان عرس لتزيين إطلالاتهن في الليلة الأغلى في العمر، ومرات يساهم في إقامة مراسيم عرس كامل بكل مصاريفه ومتطلباته ليبقى أجمل معروف وذكرى في حياة اثنين، ويحقق حلم 5 سيدات بأداء مناسك العمرة على نفقته. وينصب كل عام خيمة رمضانية، تستقبل مئات السيدات لتناول وجبتي فطور وسحور طوال ليالي الشهر الفضيل، ويتكفل بمصاريف دراسة 20 فتاة في الجامعة ليصنع فارقاً مهماً في مستقبلهن.