رسامة يمنية تستخدم الفنون البصرية لمخاطبة ضمير العالم

تصف التشكيلية اليمنية الشابة آمال رمزي حال المرأة في بلادها، عبر رسوماتها وجدارياتها وصورها في فن الخدع السينمائي، مجسدة عبر نتاجها البصري قوة صمودها أمام فداحة الظروف وطوفان المعاناة التي عصفت بطموحاتها في مهب الحروب والصراعات المحتدمة، لتقدم إلى العالم رسائل أمل ومبادرات تحد بإبداعات فنية ناعمة تشع بهجة وسلاماً خارج أسوار الحصار.

ولا تقتصر أعمال آمال رمزي محمد، خريجة كلية الفنون الجميلة بعدن، على الرسم التقليدي على الورق واللوحات، بل إنها تحترف الرسم الغرافيتي على الجدران، وكذلك الرسم على الملابس والأكواب وتزيين الديكور.

كما تتقن أيضاً فن الرسم المسرحي المباشر، موضحة أن طبيعة هذا الفن تعتمد على الرسم بالمقلوب بشكل غرافيكي مموه يدور حول الغموض والتشويق، وتنفيذ الفكرة لونياً بسرعة فائقة في أداء تشكيلي استعراضي أمام الجمهور في موقع الحدث، مشيرة إلى أنها عندما ترسم شخصيات سياسية ووجوهاً فنية ومشاهير مؤثرين، فإنها تبتغي من وراء ذلك لفت انتباه الناس إلى قضية مجتمعية، أو إيصال رسالة إنسانية.

الخدع السينمائية تصنع من صوت الألم رسالة سلام

وقالت آمال في حوارها لـ"العربية.نت" و"الحدث.نت" إنها تمارس فن الخدع السينمائي بهدف إظهار ردة الفعل القاسية، التي تحصل عقب أي انفجار من آثار الحروب، وتجسيد صوت الألم نتيجة الحروق أو الجروح التي تصيب الجرحى والضحايا، مشيرة إلى أن هذا الفن يتم توظيفه في الأفلام الوثائقية والمواد القصيرة والدعايات والأعمال المسرحية بغية تقديم توعية للمجتمع أو إيصال رسالة تعبر الحدود والجغرافيا لتصل إلى شعوب العالم كافة.

وبحسب آمال، فإن هذا النوع من الفن يمثل أداة تعبيرية مؤثرة على حواس المتلقي، تدفعه للتفاعل معها بصرياً ووجدانياً، مشيرة إلى أنها أبدعت أعمالاً عديدة في فن الخدع السينمائي، من الرسم على الوجه واليدين بالعجين، وأنتجت صوراً ولوحات تجسد آثار الحروق والجروح، حيث حملت من خلالها رسائل ضد العنف بكافة أشكاله وضد الصراعات التي خلفت الجرحى والضحايا.

وتضيف: "نريد أن يرى الناس شكل الألم الذي تسببه فظاعة الحرب ومخلفاتها في الوجدان اليمني، معتبرة أن الفنون البصرية لها تأثير كبير في دغدغة عواطف الشعوب، وهي قادرة على أن تصنع من صوت الألم رسالة سلام.

أسلوب ناعم يختزل واقع الحروب والفقر والحصار

وضمن السياق، أنتجت آمال أعمالاً فنية في زمن الحرب، أبرزها نموذج لتطوير أحد أحياء مدينة عدن، تحديداً جولة "البط" حيث برعت في إضفاء عناصر جمالية على واجهتها، وأبدعت زينتها بالفرشاة والألوان، ثم اعتمدت هذا العمل الفني ليكون مشروع تخرجها في كلية الفنون.

وشاركت آمال في مبادرات عديدة لصالح منظمات إنسانية من أجل التوعية وبث رسائل سلام من اليمن إلى العالم، موضحة أنها تناولت ضمن لوحاتها معاناة المرأة اليمنية، متناولة ثالوث التهميش والإقصاء والعنف الذي يطالها ويخدش ذاتها، كما وظفت ريشتها في تجسيد معالم تاريخية سياحية تم عرضها في مهرجان عدن للسلام.

وشددت على أهمية الرسم كأسلوب دبلوماسي ناعم يمكنه اختزال واقع الحروب ومشكلات الفقر والحصار باليمن داخل إطار لوحة.

تحديات تحارب إبداعات الفنانين اليمنيين

وتعتبر آمال أن الفنانة اليمنية تعاني من وجود تحديات في مجال الفن، أولها غياب بيئة الدعم والتشجيع، و"انعدام أبسط الخدمات مثل انقطاع الكهرباء الدائم، فضلاً عن عدم وجود أجواء مناسبة للرسم وتطوير المواهب، كذلك رداءة الإنترنت البطيء في اليمن، إلى جانب ارتفاع أسعار الأدوات الفنية بشكل جنوني".

وتضيف: "أبرز ما يميزنا نحن مجتمع الفنانات اليمنيات في مجال الرسم والتشكيل، تنقصنا مقومات كثيرة لإبراز إبداعنا ونتاجاتنا خارج أسوار الحصار، مشددة على أن قوتهن الناعمة تكمن بكونهن لا يزلن قادرات على أن يمارسن الإبداع في بلد بائس مثل اليمن".

وتستأنف: "لا نملك أدنى مقومات العيش للاستمرار في الحياة، فما بالك بأبسط عناصر الفن التي نحتاجها لننتج عملاً مرئياً ملهماً، فأن تؤسس مشروعاً فنياً في بلد مشظى بين ركام الحروب، فذلك بحد ذاته أعلى مراتب الإبهار".

رسوم لوجوه مشاهير

وتتلقى آمال الكثير من طلبيات الرسم التي ترسلها للمهتمين في خارج اليمن، مثل لوحات بورتريه، أو رسومات خاصة لوجوه مشاهير من باب الاستعراض الإبداعي، وتفجير إمكانياتها الفنية.

وتوضح: "لقد رسمت العديد من المشاهير، أمثال عارضة الأزياء جورجينا ونجم بوليوود شاروخان والموسيقار حسن الشافعي والفنان تامر حسني ومحمد حماقي وغيرهم، وقد شاركت تلك اللوحات مع أصدقائي على مواقع التواصل الاجتماعي، وذُهلت عندما تلقيت عروضاً لشراء واقتناء تلك اللوحات من أشخاص معجبين بهؤلاء المشاهير".

وتتابع بالقول: "تصلني طلبات على لوحاتي من منظمات إنسانية من أجل مشاركتها في معارضهم الخاصة أو صفحاتهم الرسمية على سوشيال ميديا".

مبادرة لدعم مواهب أطفال التوحد

ولا تفوت آمال مبادرة تعلم أنها قد تسعد فئة من المجتمع، وها هي تقضي يوماً كاملاً مع أطفال التوحد تشاركهم الرسم.

وعبرت بالقول: "الرسوم التي شاركتها مع أطفال التوحد كانت عادية، كنت أقف بجانب كل طفل لإخراج إمكانياته وطاقته ليرسم بحراً أو شجرة أو يقلد رسمة لمناظر طبيعية من باب التسلية، كما أعطيهم حصصا فنية وأشجعهم لإطلاق مواهبهم، وكنت كلما أرسم على وجوهم، أرى البهجة تخرج من قلوبهم".

أداة تعبير وتجسيد

في السياق ذاته، تؤكد آمال أن فن الرسم يساهم في تجسيد واقع ومشكلات الفقر والحصار باليمن، كونه أداة تعبير وتجسيد لما يحدث من مشكلات اجتماعية نتيجة حروب أو فقر وحصار إلى آخره، مؤكدة أن آلة الحرب والنزاعات والحصار والأوضاع الاقتصادية كانت لها انعكاسات أثرت على المشهد التشكيلي في اليمن.

"هذا هو مصير المواهب بزمن الحروب"، مفيدة أن المواهب الإبداعية الشابة في مختلف المدن اليمنية، دفعت كثيرين للبحث عن لقمة العيش والأمن والأمان، ما جعل المواهب الإبداعية الشابة رهينة للأوضاع المتردية.

وتضيف: "لم يعد هذا الشعب الحزين يبحث عن الفن أو بالأصح لا يملك وقتاً لتذوقه أصلاً، فالجميع مشغولون بتوفير أساسيات الحياة لكننا مازلنا نحاول جاهدين رغم الحروب والنزاعات وقلة الدعم المادي والمعنوي من إقامة معارض ومهرجانات وتنظيم فعاليات فنية وتشكيلية، لإيماننا بأن الفنون هي انعكاس حضاري للقيم وإشراقة ثقافية تقيس نهضة المجتمعات وازدهارها".

تطهير الوعي من أفكار العنف

ومن دون أن يفوتها توجيه رسالة للجهات المعنية وللدولة وجميع الأهالي، قالت آمال إنه "يجب علينا احترام الفن والمواهب ودعمهم حتى لا نفتقد لأشخاص مبدعين ومؤثرين ولعنصر فعال في مجتمعنا الكبير، كما يجب علينا أن نحترم الفن، ونسعى إلى غرسه في وجدان النشء من أبنائنا وطلابنا، بصفته أرقى أدوات تهذيب النفس وتطهير الوعي من أفكار العنف والتطرف والسلوكيات الخاطئة، وتمكين الأفراد من استغلال أوقات فراغهم في أمور إيجابية".

Original Article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

%d مدونون معجبون بهذه: