أواخر القرن الثامن عشر، اتجه الأوروبيون للبحث في تاريخ الحضارات القديمة التي هيمنت على مناطق واسعة من القارة في وقت سابق. وإضافة لدراساتهم لحياة فلاسفة بلاد الإغريق كأفلاطون وسقراط وأرسطو وطريقة عيش الرومان والإغريقيين، لم يتردد كثيرون في التنقيب والبحث عن بقايا آثار روما وبلاد اليونان لإعادة ترميمها. ومن ضمن المناطق التي اتجه الجميع لدراسة تاريخها والبحث عن ثقافتها، يذكر أغلب مؤرخي تلك الفترة منطقة أولمبيا (Olympia) حيث حظيت الأخيرة بدور هام ببلاد الإغريق بسبب مكانتها الدينية واحتضانها للألعاب الأولمبية القديمة.
ومع بداية أحداث الثورة الفرنسية وإعلان الجمهورية، وجد الفرنسيون في أولمبيا ضالتهم لبلورة صورة جديدة لبلادهم يتم من خلالها إحياء التراث القديم لإظهار بلادهم كدولة تجمع بين الإرث الإنساني والتاريخ المعاصر.
أولمبياد الجمهورية
ويعود الفضل في ظهور هذه النسخة المبكرة من الألعاب الأولمبية للسياسي الفرنسي، المنتمي للجبليين (Les montagnards)، جيلبرت روم (Gilbert Romme). فإضافة لفكرة التقويم الجمهوري، اقترح الأخير إعادة إحياء الألعاب الأولمبية الإغريقية القديمة وتنظيم أولمبياد معاصر في الذكرى الرابعة لإعلان الجمهورية بفرنسا. ووسط الجماهير، أبدى السياسي النافذ وعضو المجلس الوطني جورج دانتون (Georges Danton) إعجابه الشديد بهذه الفكرة واقترح تنظيم الأولمبياد، الذي لقّب بأولمبياد الجمهورية، بساحة شان دي مارس (Champ-de-Mars) بالعاصمة باريس.
إلى ذلك، لم يكن كل من جيلبرت روم وجورج دانتون حاضرين لأول أولمبياد للجمهورية عام 1796. فيوم 17 يونيو 1795، انتحر الأول عقب صدور حكم بالإعدام في حقه بينما أعدم الثاني بالمقصلة يوم 5 أبريل 1794.
3 دورات من أولمبياد الجمهورية
تحت حكومة المديرين، نظّمت أول نسخة من أولمبياد الجمهورية. ويوم 22 سبتمبر 1796، افتتح هذا الحدث الرياضي بحضور نحو 300 ألف شخص تجمهروا لمشاهدة مختلف المسابقات الرياضية.
وحسب مؤرخي تلك الفترة، تضمن أولمبياد الجمهورية 4 مسابقات رياضية. وقد تمثلت أول مسابقة رياضية في سباق الجري الذي نظم في حدود الساعة الرابعة مساء. وخلال هذا السباق تقاسم الجندي فيلميرو (Villemereux) والطالب جان جوزيف كوسم (Jean-Joseph Cosme) المركز الأول عقب بلوغهما لخط النهاية في الآن نفسه. لاحقا، احتضنت ساحة شان دي مارس أربعة مسابقات أخرى تراوحت بين سباق الخيول وسباق العربات.
ومع نهاية أول نسخة من أولمبياد الجمهورية، نظم بباريس احتفال كبير، استخدمت خلاله الألعاب النارية، تم أثناءه تكريم الفائزين بالمسابقات.
وبينما تشابهت النسخة الثانية التي أقيمت خلال العام التالي مع نظيرتها لعام 1796، اختلفت نسخة العام 1798 بشكل كبير عن سابقاتها. فخلال أولمبياد الجمهورية لعام 1798، أضيفت رياضات جديدة كالمصارعة والمجاولة (Jousting).
إلى ذلك، شهد هذا الأولمبياد، الذي نظم ما بين أعوام 1796 و1797 و1798، لأول مرة استخدام وحدات القياس الحديثة حيث اعتمدت لجنة التحكيم على التوقيت والنظام المتري لتحديد الفائزين بالسباقات.
عام 1798، أقيمت آخر نسخ من أولمبياد الجمهورية حيث تم إلغاء هذا الحدث الرياضي تزامنا مع عودة الحروب وصعود نابليون بونابرت وإعلان قيام الإمبراطورية. وبعد حوالي 100 عام، أعاد المؤرخ والمدرس الفرنسي بيار دي كوبرتان (Pierre de Coubertin) عام 1896 إحياء فكرة هذه الألعاب مجددا واضعا بذلك حجر الأساس للألعاب الأولمبية بنسختها الحديثة.