أعرب أطباء مكسيكيون عن اعتقادهم بوجود رابط قوي بين السمنة والحالات الحادة لمرض كوفيد-19K، وقال خيسوس أوجينو سوسا غارسيا، المسؤول عن الحالات الحرجة بوحدة العناية المركزة في مستشفى ميديكا سور في مكسيكو سيتي، إن العامل الأبرز بين كل الحالات شديدة الخطورة المصابة بمرض كوفيد-19 كان السمنة، وفقًا لما نشرته مجلة Nature.
وأضاف سوسا غارسيا أنه وزملاءه قاموا بفحص الإحصائيات في وقت مبكر من الوباء وتوصلوا إلى وجود عامل مشترك هو أن نصف المرضى، البالغ عددهم 32 شخصًا والذين تم إدخالهم إلى وحدة العناية المركزة كانوا يعانون من السمنة.
وعلى الرغم من تفاؤل سوسا غارسيا بأنه سيتم إنتاج لقاح مضاد لفيروس كورونا المُستجد قريبًا، ولكن بالنسبة للمكسيك والعديد من البلدان الأخرى التي تضم عددًا متزايدًا من الأشخاص ذوي مؤشرات كتلة الجسم المرتفعة BMI، يخشى بعض الباحثين من أن اللقاح ربما لا يكون الدواء الشافي، الذي يأمل فيه الأطباء والمرضى على حد سواء، بشكل خاص للأشخاص الذين يعانون من السمنة، التي ترتبط بالاستجابة المناعية الباهتة لكوفيد-19.
التجارب السريرية
وفي الولايات المتحدة، تقول دونا رايان، التي درست السمنة في مركز بنينغتون للأبحاث الطبية الحيوية في باتون روج في لويزيانا: "نحن قلقون بشأن ذلك"، حيث أنه غالبًا لا تعمل اللقاحات، المفيدة لحفنة من الحالات الأخرى، بشكل جيد مع مرضى السمنة المفرطة، مما يشير إلى أن لقاح كوفيد-19 ربما لا يوفر قدر الحماية المأمولة لهم.
وعلى الرغم من أن الباحثين لم يمكنهم التأكد مما إذا كانت السمنة ستؤثر على فعالية اللقاح أم لا، فإنه من المحتمل أن يتم التوصل إلى طرق بديلة لمواجهة المشاكل إذا ظهرت. لكن أعرب العلماء عن قلقهم أيضًا من أن التجارب السريرية ربما لا يتسع المجال فيها لرصد مثل هذه المشكلات بشكل فوري أو في مراحل مبكرة.
تزايد المخاطر باستمرار
وفي الصين أيضًا، كان من الواضح في وقت مبكر من تفشي مرض كوفيد-19 أن السمنة تزيد من خطر إصابة الأشخاص المصابين بعدوى فيروس كورونا. فعندما كانت عالمة الأوبئة لين شو في جامعة صن يات سين في قوانغتشو بالصين، تقوم بتحليل البيانات من الموجة الأولى للوباء في الصين، لاحظت ظهور نمط في نموذج تلو الآخر يشير إلى أن مؤشر كتلة الجسم كان عاملًا واضحًا بشكل دائم في مدى خطورة حالات المصابين بكوفيد-19.
الأسباب المُحتملة
وعندما قدمت بروفيسور شو دراستها إلى إحدى الدوريات العلمية الأكاديمية في مارس 2020، حثها المحررون القائمون على إصدار الدورية العلمية بضرورة تواصلها مع مسؤولي منظمة الصحة العالمية وتنبيههم بشأن النتائج التي توصلت إليها. ومنذ ذلك الحين، توالى ظهور نتائج الدراسات العلمية حول العالم والتي توصلت إلى نفس النتيجة: إن أولئك الذين يعانون من السمنة هم أكثر عرضة للوفاة عند إصابتهم بمرض كوفيد-19 مقارنة مع أولئك الذين يتمتعون بوزن طبيعي، حتى في ظل وجود عوامل مثل مرض السكري ومع أخذ ارتفاع ضغط الدم في الاعتبار.
احتمالات جزيئية
كما يوجد عدد من الاحتمالات الجزيئية، منها أن مقاومة الأنسولين تجعل من الصعب على الجسم البدين الاستجابة بشكل طبيعي للسكر ويمكن أن تسبق مرض السكري، وهو المرض الأكثر شيوعًا بين الأشخاص الذين يعانون من مؤشر كتلة جسم مرتفع.
الأنسجة الدهنية
ويمكن أن تؤدي السمنة إلى تفاقم الآثار الأيضية لعدوى فيروس كورونا. وتعبر الأنسجة الدهنية عن مستويات عالية نسبيًا من ACE2 (الإنزيم المحول للأنجيوتنسين 2) الذي يستخدمه فيروس كورونا لغزو الخلايا. ويقول دكتور جيانلوكا إياكوبيليس، أخصائي الغدد الصماء بجامعة ميامي في فلوريدا: "يبدو أن الأنسجة الدهنية تعمل كمستودع للفيروس [كورونا المُستجد]".
التهاب مزمن
لكن تعد التأثيرات على جهاز المناعة هي أكثر ما يثير المخاوف والقلق لدى بعض الباحثين، لأن السمنة يمكن أن تسبب التهابًا مزمنًا منخفض الدرجة، يُعتقد أنه يساهم في زيادة مخاطر الإصابة بأمراض مثل السكري وأمراض القلب. ويشير الباحثون إلى أنه نتيجة لذلك، ربما يكون لدى الأشخاص الذين يعانون من السمنة مستويات أعلى من مجموعة متنوعة من البروتينات المنظمة للمناعة، من بينها السيتوكينات. وتقول دكتور ميلينا سوكولوفسكا، التي تدرس علم المناعة وأمراض الجهاز التنفسي في جامعة زيورخ في سويسرا، إن الاستجابات المناعية التي تطلقها السيتوكينات يمكن أن تلحق الضرر بالأنسجة السليمة في بعض حالات الإصابة الشديدة بمرض كوفيد-19. وتوضح دكتور سوكولوفسكا أنه من المفارقات أن الحالة المستمرة لتحفيز المناعة، أو الإنهاك المستمر، ربما يتسبب في إضعاف بعض الاستجابات المناعية، من بينها رد الفعل الذي تطلقه الخلايا التائية، والذي يمكن أن يقتل الخلايا المصابة مباشرة.
فترة زمنية أطول
ويقول بروفيسور دانييل دراكر، عالم الغدد الصماء والطبيب في مستشفى ماونت سيناي بتورونتو في كندا، إن الدلائل الأولية تشير إلى أن عدوى سارس-كوف-2 تستمر لمدة خمسة أيام أطول لدى مرضى السمنة المفرطة مقارنة بمن يعانون من النحافة.
ميكروبات الأمعاء والرئة
وتضيف دكتور سوكولوسكا أن السمنة تؤدي أيضًا إلى انخفاض وقلة تنوع مجموعات من الميكروبات في الأمعاء والأنف والرئة، إلى جانب وجود مشكلات في وظائف التمثيل الغذائي مقارنة مع الأفراد النحيفين. تشرح أن ميكروبات الأمعاء يمكن أن تؤثر على تفاعل الجهاز المناعة لمقاومة مسببات الأمراض أو استفادة الجسم من اللقاحات، مستشهدة في هذا السياق بما أعلنه باحثون، في العام الماضي، على سبيل المثال، بأن التغييرات التي تطرأ على ميكروبيوم الأمعاء بسبب تناول المضادات الحيوية تؤثر سلبيا على استجابة الجسم للقاح الإنفلونزا.
13% من البالغين في العالم
وفقًا لأحدث البيانات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية، يعاني حوالي 13٪ من البالغين في العالم من السمنة المفرطة. ويشير بروفيسور ريان إلى دراسات لقاحات ضد الإنفلونزا والتهاب الكبد B وداء الكلب، والتي أظهرت استجابات أقل لدى أولئك الذين يعانون من السمنة مقارنة مع أصحاب الأجسام النحيفة. وتقول برفيسور شو: إن في "حالات لقاح الإنفلونزا، لم يحقق نتائج جيدة مع مرضى السمنة المفرطة".
زيادة الجرعات
من المحتمل أن يتم التوصل إلى طرق للتعويض عن أوجه القصور في تأثير اللقاحات على مرضى السمنة، مثلما هو الحال، في نجاح جهود الباحثين لتحسين نسب الاستجابة للقاح بين كبار السن. ويقول بروفيسور ريان إن إعطاء الأشخاص البدينين جرعات إضافية من اللقاح هو أحد الاحتمالات. "ربما ثلاث حقن بدلاً من اثنتين، أو ربما جرعة أكبر، ولكن لا ينبغي أن يتراجع الأطباء متعللين بأن اللقاح لن يجدي نفعًا."
صيحة تحذير
ويقول دكتور دراكر ربما يحتاج العالم، في نهاية المطاف، إلى انتظار الاطلاع على البيانات من الدراسات السريرية لتوضيح خارطة الطريق، لكن الانتظار ربما يكون محطما للأعصاب. ويأمل دكتور سوسا غارسيا وآخرون أن الارتباط بين مرض كوفيد-19 والسمنة ربما سيجبر بعض الحكومات وأنظمة الرعاية الصحية على التعامل مع مشاكل السمنة المتزايدة في بلدانهم، قائلًا: "إذا كنت مسؤولاً في مجال الصحة العامة وأدركت أن هناك 40٪ من السكان في خطر كبير، فإن هذه البيانات تعد بمثابة صيحة تحذير للاستيقاظ والانتباه".