ضريبة ومفاهمة.. هكذا استعدت فرنسا للحرب العالمية الأولى

خلال العام 1913، وجدت فرنسا نفسها في أزمة بين مناصري ومناهضي برنامج إعداد البلاد لحرب محتملة ضد الألمان. فأثناء أغسطس، مرر النواب الفرنسيون قانون الثلاث سنوات الذي رفع مدة الخدمة العسكرية لثلاث سنوات، أملاً في زيادة جاهزية الجيش الفرنسي لمواجهة حرب ضد الألمان، آمن العديد من السياسيين بحتمية حدوثها، عقب أزمتي طنجة وأغادير.

إلى ذلك، عارض شق آخر من الفرنسيين فكرة الحرب مفضلين اعتماد لغة الحوار والدبلوماسية لحل خلافاتهم مع الألمان. وأملاً في الضغط على المعارضين وإجبارهم على قبول برنامج الاستعداد للحرب، لم يتردد الرئيس الفرنسي ريمون بوانكاريه (Raymond Poincaré) في استغلال برنامج ضريبة الدخل.

إسقاط مشروع الضريبة

ترجع جذور هذه الضريبة لمطلع القرن الثامن عشر. فعام 1707، عرض المهندس سيباستيان دي فوبان (Sébastien de Vauban) على لويس الرابع عشر اقتطاع مبلغ تتراوح قيمته بين 5 و10% من مداخيل الأفراد لتقدم على شكل هبات وتبرعات للخزينة الملكية. غير أن هذا المشروع عرف نهاية مبكرة. فتزامناً مع عرضه عليه، رفض الملك الفرنسي لويس الرابع هذه الضريبة.

وعام 1876، ظهرت فكرة ضريبة الدخل مجدداً عقب برنامج تقدم به السياسي ليون غامبيتا (Léon Gambetta) حيث أيّد الأخير فرض هذه الضريبة، مع ضرائب أخرى على الأملاك والنوافذ والأبواب، لملء خزينة الدولة الفرنسية عقب الحرب الفرنسية البروسية.

إلى ذلك عرض وزير المالية جوزيف كايو (Joseph Caillaux)، عام 1906، فكرة ضريبة الدخل مجدداً واقترح اقتطاع مبلغ من رواتب العمال والموظفين. من ناحية أخرى، طالب الوزير باقتطاع نسبة 4% من مدخول أصحاب العقارات و3.5% من عائدات الصناعيين و3% من عائدات كبار الفلاحين.

وفي مارس 1909، صوّت البرلمان بأغلبية وقبل أعضاؤه بمقترح ضريبة الدخل. ومع عرضه على مجلس الشيوخ، رفض أفراده هذه الضريبة ليسقط بذلك مشروع جوزيف كايو في الماء.

اندلاع الحرب العالمية الأولى

مع فوز الحزب الراديكالي، الذي تزعمه جوزيف كايو، بالانتخابات التشريعية عام 1914، اتجه هذا الوزير السابق لإقرار برنامجه الضريبي وإنهاء العمل بقانون الثلاث سنوات للخدمة العسكرية.

وبسبب فضيحة زوجته هنريات كايو (Henriette Caillaux) التي هزت فرنسا، اضطر جوزيف للابتعاد مؤقتاً عن السياسة ليحصل بذلك زميله، الذي افتقر للخبرة، رينيه فيفياني (René Viviani) على منصب رئيس البرلمان. ومستغلاً هذا الأمر، اتجه الرئيس الفرنسي ريمون بوانكاريه للتفاوض مع رينيه فيفياني الذي قبل بمفاهمة تضمنت تمرير قانون الضريبة التصاعدية على الدخل مقابل التخلي عن فكرة إجهاض قانون الثلاث السنوات للخدمة العسكرية.

وبعد مضي أقل من أسبوع عن حادثة اغتيال ولي عهد النمسا فرانز فرديناند بالعاصمة البوسنية سراييفو على يد أحد صرب البوسنة، ناقش مجلس الشيوخ الفرنسي يوم 3 يوليو 1914 قانون الضريبة التصاعدية على الدخل. وافتتحت الجلسة بشكل عادي حيث لم يتوقع أحد منهم إمكانية اندلاع نزاع عالمي بعد بضعة أسابيع.

Original Article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

%d مدونون معجبون بهذه: