للصور حكايا وسير طويلة توثق التاريخ، ولعل بعض الصور تصنع التاريخ وتطبعه، وتطلق صرخة تزلزل آذان العالم الأصم. ومن بين تلك الصور صورة فتاة النابالم العارية التي التقطها مصور "اسوشيتيد برس" في الثامن من يونيو عام 1972.
التقطت تلك الصورة كل الرعب الكامن في عيون أطفال هاربين من "قنابل النابالم"، وفي الوسط كانت تلك الطفلة عارية، باكية، هاربة من الموت.
في جسدها الضئيل تجسد كل الضعف والخوف والوهن، والظلم أيضاً.
إلا أن القصة ليست في الصورة التي حازت العديد من الجوائز العالمية، وأرّخت حقبة من الموت والحرب في فيتنام. القصة تكمن في أن تلك الصورة التي هزت الضمائر في حينها، هزمت فيسبوك في أيامنا هذه، وضربت بعرض الحائط "سياسة العري" ومعاييرها التي يتبعها.
"سياسة العري"
فلا بأس بالنسبة لفيسبوك أن ينشر العديد من صور الفنانات والمغنيات وغيرهن الكثير من شبه العاريات، إلا أن صورة هذه الطفلة، اعتبرت مخالفة لـ"سياسة العري" والمعايير التي يتبعها.
القصة بدأت حين حذف الموقع الأزرق الصورة من حساب رئيسة وزراء النرويج، معللاً بأن صورة تلك الفتاة العارية تنتهك معاييره الخاصة بالعري.
ما دفع العديد من توجيه سهام الانتقاد إليه، ولعل أبرز المنتقدين كانت رئيسة الوزراء نفسها التي قالت إن الصورة "شكلت تاريخ العالم".
أصابت رئيسة الحكومة في هذه النقطة، فالصورة تاريخ ناطق بحد ذاتها، ينضح منها الألم، تثبت كم الأذى الذي يمكن للبشرية أن تقترفه بحق الصغار، وتكشف ماذا صنعت أيدي الإنسان وعقله في الحروب.
وأمام كم الانتقادات التي تعرض لها فيسبوك من قبل رئيسة الحكومة وغيرها من مؤيدي فكرتها، من ضمنهم "أفتنبوستن"، أشهر صحيفة في البلاد، التي خرجت الجمعة وعلى صفحتها الأولى وبالعريض رسالة مفتوحة إلى صاحب فيسبوك، مارك زوكربيرغ تتهمه فيها بتقييد الحريات وتكميم الأفواه، تراجع عن قراره بحذف الصورة، وقال: "في هذه الحالة نقر بالأهمية التاريخية والعالمية لهذه الصورة في توثيق لحظة معينة من الزمن".
وكانت رئيسة وزراء النرويج، إرنا سولبرج، انتقدت فيسبوك في وقت سابق الجمعة لحذفه الصورة الشهيرة من صفحات الموقع ومن حسابها الشخصي!
وفي خلاف بين الزعيمة المنتخبة وعملاق وسائل التواصل الاجتماعي بشأن كيفية مراقبة الإنترنت، قالت سولبرج، بحسب ما نقلت "رويترز" عنها:" إن فيسبوك يغير التاريخ بحذف الصورة التي تعود إلى عام 1972 وبها إلى جانب الفتاة أطفال يفرون من قرية تعرضت للقصف".