تمثّل مستوطنة جيمستاون (Jamestown) بمستعمرة فرجينيا أولى المستوطنات الإنجليزية الدائمة بالقارة الأميركية، وفق عدد من المؤرخين.
فبعد محاولات سابقة فاشلة للاستيطان بالمنطقة، وكانت أهمها مستعمرة روانوك (Roanoke) التي اختفى سكانها بشكل غير مفهوم بثمانينيات القرن السادس عشر، تمكنت شركة فرجينيا اللندنية (Virginia Company of London) الاستعمارية خلال أيار/مايو 1607 من إنشاء هذه المستوطنة التي عرفت في البداية باسم جيمسفورت (James Fort).
وخلال السنوات الأولى، عانت هذه المستوطنة من مشاكل جمّة تمثلت أساساً في فقدانها للمؤن بسبب بعدها عن الأراضي الإنجليزية. كما تعقد الأمر أكثر بالنسبة للمستوطنين المتواجدين بها عقب ظهور عواصف بالمنطقة أسفرت عن إغراق العديد من سفن التموين التي أرسلتها إنجلترا.
إلى ذلك، جاءت أهم هذه العواصف عام 1609 حيث أدت الرياح العاتية والأمواج العالية حينها لحرمان جيمستاون من الغذاء، مما أسفر عن ظهور مجاعة أودت بحياة كثيرين وعطّلت المشروع الاستيطاني الإنجليزي بالمنطقة لسنوات.
معاناة جيمستاون
مع تأسيسها سنة 1607، حصلت جيمستاون على الكثير من المؤن والمستعمرين. وخلال العام التالي، نقلت شركة فرجينيا اللندنية مزيداً من الإمدادات نحو هذه المستوطنة التي ما فتئت تطالب بالمزيد تزامناً مع ارتفاع حاجيات سكانها الغذائية.
في الأثناء، توقّع الجميع حينها لجيمستاون مصيراً مشابهاً لذلك الذي لحق بروانوك قبل بضعة عقود. وأملاً في تجنب مثل هذه الكارثة وفشل المشروع الاستيطاني بالأراضي الأميركية مجدداً، وافقت شركة فرجينيا اللندنية على إرسال إمدادات ضخمة وعاجلة لجيمستاون فجهزت أسطولاً بكون من 9 سفن ونحو 600 راكب لإنقاذ المستوطنة من مصيرها المحتوم.
من جهة ثانية، قادت السفينة سيا فانتشر (Sea Venture) المقدر وزنها بنحو 300 طن والتي دخلت الخدمة عام 1609 هذه المهمة. ووفق عدد من المصادر، كان على متن السفينة عدد من كبار الشخصيات من أمثال حاكم المستعمرة السير توماس غايتس (Sir Thomas Gates) وأميرال شركة فرجينيا اللندنية السير جورج سومرس (Sir George Somers).
غرق سيا فانتشر
في حزيران/يونيو 1609، غادرت هذه البعثة البحرية الأراضي الإنجليزية لتتعرض بعرض المحيط الأطلسي لعاصفة قوية غيّرت تفاصيل خطتها. فعلى الرغم من نجاة كل السفن، ألقت الأمواج العاتية بالسفينة سيا فانتشر بعيدة عن رفيقتها.
وبينما واصلت بقية السفن طريقها نحو جيمستاون، تأخرت سيا فانتشر وواجهت يوم 25 تموز/يوليو 1609 عاصفة ثانية أكثر شدة أجبرت الطاقم على إلقاء المدافع بعرض البحر لتخفيف وزنها والقيام بمجهودات جبارة لإفراغها من المياه. ولحسن حظهم، وجد طاقم السفينة أنفسهم على مقربة من جزر برمودا (islands of the Bermudas)، التي رفض الإسبان استعمارها عام 1511، قبل غرق سيا فانتشر بفترة وجيزة.
9 أشهر ببرمودا
أعجب طاقم سيا فانتشر بجزر برمودا وتمتعوا بتوفر الغذاء بها. وبعد قضائهم لنحو 9 أشهر هناك، تمكن طاقم سفينة سيا فانتشر من بناء سفينتين.
وبينما فضّل البعض البقاء ببرمودا، ركب آخرون البحر مجدداً خلال أيار/مايو 1610 واتجهوا صوب مستوطنة جيمستاون ففوجئوا بانتشار المجاعة بها ووفاة نحو 80% من سكانها ولجوء بعضهم لأكل لحوم البشر بسبب نقص الغذاء.
إلى ذلك أثرت العواصف عام 1609 بشكل لافت للانتباه على إنجلترا. فمع تعطل المشروع الاستعماري بجيمستاون بشكل مؤقت، اتجه الإنجليز للاستيطان بجزر برمودا التي أعجب بها أميرال شركة فرجينيا اللندنية السير جورج سومرس. وليومنا الحاضر، لا تزال هذه الجزر بريطانية وتعتمد كوجهة سياحية للعديد من البريطانيين.
من جهة ثانية، دوّن المؤلف الإنجليزي وليام ستراشي (William Strachey)، الذي تواجد على متن سيا فانتشر، أحداث غرق السفينة وتحدّث من خلال كتاباته عن الحياة ببرمودا. وفي الفترة التالية، وقعت كتابات ستراشي بيد الشاعر والمؤلف المسرحي الإنجليزي الشهير وليام شكسبير الذي استغلها واعتمدها مصدر إلهام لتأليف مسرحية العاصفة.