عام 1936.. قلبت فضيحة الموازين ونتائج الانتخابات بفرنسا

خلال شهر يناير 1934، اهتزت فرنسا على وقع الوفاة المريبة للمحتال الشهير، ألكسندر سترافيسكي (Alexandre Stavisky). فبعد أن عثر عليه رجال الشرطة مصاباً بطلق ناري، نُقل الأخير للمستشفى حيث فارق الحياة بعد ساعات من المعاناة عن عمر ناهز 48 عاماً، جمع خلاله ثروة طائلة عن طريق الاحتيال وتبييض الأموال والرشوة.

وبينما تحدّث رجال الأمن والمحققون في تقريرهم عن عملية انتحار، رفضت أغلبية الشارع الفرنسي الأمر، مؤكدةً على وقوف سياسيين بارزين وراء مقتل سترافيسكي الذي كان قد قدّم لهم طيلة السنوات الماضية رشاوى لتحقيق أهدافه.

وكان ألكسندر سترافيسكي قد ولد يوم 20 نوفمبر عام 1886 بأوكرانيا وانتقل فيما بعد للعيش بفرنسا التي حصل على جنسيتها بحلول العام 1910. وقام سترافيسكي بأولى عمليات الاحتيال بأحد مسارح باريس. ومع انكشاف أمره، اضطر لتقديم توضيح للشرطة الفرنسية حول أفعاله وممتلكات عائلته. جاء ذلك بينما كان والد ألكسندر سترافيسكي طبيب أسنان مشهورا بأمانته بباريس. وبسبب هذه الفضيحة التي لحقت بعائلته، عمد الأخير في لحظة يأس لوضع حد لحياته.

عام 1926، اتهم سترافيسكي باختلاس كمية من المجوهرات. ومع ثبوت التهمة عليه، نال هذا الرجل عقوبة بالسجن قضى منها 18 شهراً خلف القضبان، قبل أن يطلق سراحه بعد تعهده بعدم إعادة الكرة.

لاحقاً، نكث سترافيسكي بعهده وعاد لأعمال الاحتيال. وعام 1931، قاد أشهر عملية درّت عليه مئات ملايين الفرنكات. فخلال ذلك العام، أقنع سترافيسكي عمدة مدينة بايون (Bayonne) جوزيف غارات (Joseph Garat) بإنشاء صندوق ائتماني بلدي استغله لتنفيذ أعمال الاحتيال. فبطريقة مريبة، اتجه هذا الرجل الأوكراني الأصل لوضع كميات من المجوهرات، التي كانت إما مسروقة أو مزيفة، في "منظمة جبل التقوى" مقابل حصوله على قسيمة كانت عبارة عن نوع من السندات القابلة للاسترداد.

واعتماداً على توقيع وختم الصندوق الائتماني البلدي، اتجه سترافيسكي لكسب ثقة البنوك وخدعها عن طريق تدليس وتزوير القيمة المالية لهذه السندات، التي حصل عليها لينجح بذلك في فترة وجيزة في تحقيق ثروة طائلة.

وبناء على مصادر تلك الفترة، تمكن سترافيسكي من جمع ما يقدر بحوالي 239 مليون فرنك ليتحول بذلك لأحد أبرز الأثرياء بفرنسا، ويتنقل بين أفخم المطاعم والنزل الفرنسية، كما استغل نفوذه والرشاوى التي قدّمها لتفادي القضايا والمساءلة حول مصدر ثروته.

وخلال شهر يوليو 1933، انفجرت بفرنسا فضيحة حول طبيعة عمل ونشاط الصندوق الائتماني البلدي ببايون. ومع اعتقال مدير هذا الصندوق وعمدة بايون جوزيف غارات خلال شهر ديسمبر 1934، لجأ ألكسندر سترافيسكي للفرار قبل أن يعثر عليه رجال الشرطة غارقاً في دمائه بغرفة بمدينة شاموني (Chamonix) يوم 9 يناير 1934.

خلال الأيام التالية، أثارت قضية مقتل سترافيسكي زوبعة بفرنسا، حيث طالت الشبهات العديد من السياسيين والنواب بالبرلمان الفرنسي كما تحدّث المعارضون عن قيام عدد من السياسيين أصحاب النفوذ بقتل سترافيسكي، لإخفاء حقيقة تعاملهم معه وحصولهم على رشاوى. وفي الأثناء، شهدت العاصمة الفرنسية باريس مظاهرات حاشدة، دعت إليها الحركات العمالية والمنظمات الشيوعية، طالب خلالها المتظاهرون بمحاسبة من سموهم بالسارقين والمرتشين. وقد شهدت هذه الحركة الاحتجاجية اندلاع أعمال عنف أسفرت عن مقتل 16 شخصا وإصابة ألف آخرين.

خلال العام 1936، لعبت فضيحة سترافيسكي دوراً هاماً في قلب موازين التأييد الشعبي وساهمت في انتصار الجبهة الشعبية، الذي اعتبر تحالفاً لحركات اليسار، بقيادة ليون بلوم (Léon Blum) في الانتخابات.

Original Article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

%d مدونون معجبون بهذه: