عقب الثورة.. صادرت فرنسا ممتلكات رجال الدين لمعالجة أزمة مالية

يوم الخامس من شهر مايو 1789، لجأ الملك الفرنسي لويس السادس عشر لجمع مجلس الطبقات أملا في رفع الضرائب لمعالجة الأزمة المالية الخانقة التي تمر بها البلاد بسبب التكلفة الباهظة للمشاركة الفرنسية بحرب الاستقلال الأميركية ونفقات الملكة ماري أنطوانيت.

وعلى الرغم من نجاحهم في تحقيق تغيير سياسي بالبلاد خلال الفترة الأولى من الثورة، لم يتمكن الفرنسيون من معالجة الأزمة المالية حيث ظلت خزائن الدولة فارغة تزامنا مع رفض المدّخرين تقديم مزيد من القروض للبلاد.

قانون مصادرة أملاك الكنيسة

وفي خضم هذه الأحداث، اقترح الراهب والنائب عن منطقة أوتون (Autun) شارل موريس دي تاليران (Charles Maurice de Talleyrand) على رفاقه خلال شهر أكتوبر 1789 تأميم ممتلكات الكنيسة بالبلاد التي تمثلت أساسا في أراض فلاحية وعقارات قاربت قيمتها 3 مليارات جنيه أي ما يعادل حوالي 10 أضعاف الميزانية السنوية لفرنسا. وبناء على ما ذكره الراهب دي تاليران، جمعت الكنيسة كل هذه الأرباح بفضل التبرعات والمنح والهدايا والوصايا التي كسبتها طيلة القرون الماضية.

ومع تصنيفها كممتلكات مخصصة للمصلحة العامة، اتجه عدد من النواب، وعلى رأسهم ميرابو (Mirabeau)، لعرض مشروع قانون تأميم ممتلكات الكنيسة بشكل رسمي أمام المجلس التأسيسي. وكتعويض على ذلك، اقترح ميرابو ضم نفقات الكنيسة لميزانية الدولة لتتكفل بذلك الخزينة الفرنسية بمهمة الاعتناء بالكنائس وإصلاحها وسداد أجور رجال الدين.

وفي الأثناء، مرر المجلس التأسيسي مشروع هذا القانون بتأييد الأغلبية حيث وافق 568 فردا عليه ورفضه 346 آخرون وامتنع 40 آخرون عن التصويت. أيضا، وافق النواب على إلغاء ضريبة العشر التي أجبرت سكان الطبقة الثالثة، الذين كانوا أساسا من الفقراء والفلاحين ومحدودي الدخل، على تقديم مبالغ مالية لرجال الدين.

خلاف بين الثوار والكنيسة

وأملا في استغلال ممتلكات الكنيسة بشكل سريع لإنقاذ الاقتصاد، أمر المجلس التأسيسي يوم 21 ديسمبر 1789 بإصدار نوع من السندات والعقود التي بلغت قيمتها حوالي 400 مليون جنيه. ومع موافقتهم على تقديم قرض لخزينة البلاد، يحصل الأفراد على سندات، تعادل قيمتها قيمة القرض، من أملاك الكنيسة المصادرة.

واعتمادا على هذه السندات، حاولت الحكومة الفرنسية تحقيق مزيد من الأرباح. فبدل التخلص من السندات التي منحت للمقرضين، اتجهت الحكومة لإعادة صرف هذه السندات مجددا بالسوق خالقة بذلك أزمة ثقة مع المواطنين أدت فيما بعد لاستقالة الوزير جاك نيكر (Jacques Necker). ومع تدخل عدد من المعارضين الملكيين، تعمقت هذه الأزمة أكثر فأكثر حيث عمدت هذه الفئة لإغراق البلاد بمزيد من السندات.

وبدلا من إصلاح الاقتصاد، أدت هذه السندات لخلق أزمة جديدة عمّقت المشاكل المالية لفرنسا. وقد انتظر الفرنسيون حينها ظهور الفرنك عام 1803 على يد نابليون بونابرت لتشهد بلادهم بداية الاستقرار المالي.

ومع حرمان الكنيسة من المداخيل السابقة، لم تتردد السلطات الفرنسية يوم 13 فبراير 1790 في حل جميع المجموعات الدينية بالبلاد. من ناحية ثانية، تصاعد الخلاف بين الثوار الفرنسيين والبابا بشكل غير مسبوق. فبسبب عدم اطلاعه بعملية تأميم ممتلكات الكنائس بفرنسا، عارض البابا ورفض ممارسات السلطة الفرنسية. وعقب قيامهم بتمرير الدستور المدني للكنيسة أملا في إحكام قبضتهم على رجال الدين، أثار النواب قلق الكنيسة البابوية التي سرعان ما دخلت في خلاف حاد مع الثوار الفرنسيين.

Original Article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

%d مدونون معجبون بهذه: