خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر 1962، كان العالم على شفا حرب عالمية ثالثة بسبب أزمة الصواريخ الكوبية. فتزامنا مع تزايد حدة التوتر بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفيتي، اتجه السوفيت لنشر صواريخ بجزيرة كوبا التي كانت تبعد حوالي 500 كلم عن ميامي بولاية فلوريدا. وبسبب ذلك، أصبحت الأراضي الأميركية في مرمى الصواريخ السوفيتية وهو ما شكل تهديدا للأميركيين الذين اتجهوا للاستعداد لمواجهة عسكرية محتملة مع السوفيت.
جولة على شاطئ بالبحر الأسود
وتعود فكرة نشر صواريخ بكوبا لجولة قام بها القائد السوفيتي نيكيتا خروتشوف مع وزير دفاعه روديون مالينوفسكي (Rodion Malinovsky). فأثناء تمشيهما على شاطئ مطل على البحر الأسود خلال شهر نيسان/أبريل 1962، عبّر الرجلان عن قلقهما من صواريخ جوبيتر (Jupiter) التي قامت الولايات المتحدة الأميركية بنشرها بتركيا والتي كانت قادرة على بلوغ الأراضي السوفيتية في غضون 10 دقائق. فضلا عن ذلك، تحدّث خروتشوف عن التفاوت في عدد الرؤوس النووية مؤكدا على امتلاك المعسكر الغربي لترسانة نووية أكبر من تلك التي امتلكها الاتحاد السوفيتي.
وانطلاقا من هذه الأمور المقلقة للسوفيت، فكّر خروتشوف في نشر صواريخ بجزيرة كوبا أملا في تعديل موازين القوى بالعالم. فضلا عن ذلك، استحسن القائد السوفيتي هذه الفكرة وتوقع موافقة السلطات الكوبية، بقيادة فيدل كاسترو، على الأمر تزامنا مع فشل الإنزال الأميركي عند خليج الخنازير بكوبا، خلال شهر نيسان/أبريل 1961، التي شهدت بالعقد الماضي ثورة أطاحت بنظام فولخنسيو باتيستا المصنف كحليف للولايات المتحدة الأميركية.
نقل القوات لكوبا
وفي الأثناء، تكفل الجنرال السوفيتي أناتولي غريبكوف (Anatoly Gribkov) بمهمة وضع خطة إرسال قوة صاروخية سوفيتية لكوبا. وعقب اجتماعه بعدد من المسؤولين بالاتحاد السوفيتي وافق نيكيتا خروتشوف على مقترح غريبكوف.
إلى ذلك، اقترح غريبكوف إرسال 5 وحدات صاروخية لكوبا وعرض تزويد 3 منها بصواريخ آر 12 (R-12) متوسطة المدى وتزويد الوحدتين المتبقيتين بصواريخ آر 14 (R-14) القادرة على إصابة أهدافها بدقة حسب معايير تلك الفترة. ولدعم هذه القوة العسكرية، عرض غريبكوف إرسال فرقتين مزودتين بصواريخ آف كا آر 1 (FKR-1) مرفوقة بحوالي 16 قاذفة صواريخ و80 رأسا نوويا كما أمر أيضا بتوفير سربي طائرات ميغ 21 و4 ألوية مدرعة إضافة لعدد من القطع الحربية البحرية.
مطلع شهر أيلول/سبتمبر 1962، لاحظت طائرة استطلاع أميركية وجود قطع بحرية سوفيتية قرب كوبا. ومع حصوله على هذه المعلومات الحساسة، حذّر الرئيس الأميركي جون كينيدي من إمكانية قيام السوفيت بنقل معدات عسكرية لنظام فيدل كاسترو.
وكرد على تصريحات الرئيس الأميركي، أمر خروتشوف بشكل سري بإرسال 6 قاذفات قنابل إليوشين 28 (Ilyushin Il-28)، مرفوقة بستة قنابل نووية، و3 فرق قاذفات صواريخ لونا (Luna)، مدعومة بحوالي 12 رأسا نوويا، لدعم قواته التي تمركزت بكوبا.
ما بين 17 حزيران/يونيو ومنتصف تشرين الأول/أكتوبر 1962، تكفلت 86 قطعة بحرية سوفيتية بالقيام بحوالي 180 رحلة من موانئ بالتيسك (Baltiysk) وسيفاستوبول (Sevastopol) وبوتي (Poti) وكرنشتات (Kronstadt) لنقل القوة السوفيتية لكوبا. وعقب حصول الأميركيين على صور لمواقع القوات السوفيتية بجزيرة كوبا وتأكدهم منها يوم 16 تشرين الأول/أكتوبر من نفس العام، اندلعت رسميا أزمة الصواريخ الكوبية التي استمرت لنحو أسبوعين وكادت أن تتسبب في حرب عالمية ثالثة.