خلال ثلاثينيات القرن الماضي، باشر القائد السوفيتي بملاحقة جميع خصومه السياسيين وكل من شكك في معارضتهم لسياسته ضمن ما عرف بالتطهير الكبير الذي استمر ما بين عامي 1936 و1938 وأسفر عن سقوط ما لا يقل عن 700 ألف قتيل. ولتنفيذ عمليات الاعتقال والاستجواب والإعدام، اعتمد جوزيف ستالين على جهاز مفوضية الشعب للشؤون الداخلية المعروف أكثر بـ"أن كا فيه دي" (NKVD).
إلى ذلك، امتدت عمليات التطهير الكبير لتبلغ الجمهورية الشعبية المنغولية، التي كانت دولة ذات سيادة تمتعت بروابط وثيقة مع الاتحاد السوفيتي، حيث اتجه حزب الشعب المنغولي للتخلص من أعدائه ومعارضيه على الطريقة الستالينية.
تطهير بالحزب
عقب الثورة المنغولية لعام 1921، تسببت الصراعات داخل حزب الشعب المنغولي بالعديد من حملات التطهير السياسية التي أسفرت عن سقوط عدد هام من كبار قادة الحزب والثورة. فخلال شهر آب/أغسطس عام 1922، أسفرت الملاحقات الأمنية عن اعتقال رئيس الوزراء دوغسومين بودو (Dogsomyn Bodoo) الذي أعدم، رفقة العشرات من زملائه، دون محاكمة عقب تعذيبه على يد أمنيين سوفيت اتهموه بالسعي للانفراد بالسلطة والخيانة. وخلال العام 1928، طالت عملية تطهير مزيدا من قادة الحزب البارزين. وبعدها بنحو 4 سنوات فقط، تجددت عملية ملاحقة كوادر الحزب عقب فشل السياسة الزراعية والاقتصادية بالبلاد.
مع انتشار أخبار التطهير الكبير بالاتحاد السوفيتي، اتجه القائد والمارشال المغولي خورلوغين تشويبلسان (Khorloogiin Choibalsan) للقيام بحملة مشابهة ضد خصومه السياسيين والرهبان البوذيين بالجمهورية الشعبية المنغولية.
وبمساعدة المسؤول السوفيتي ماتفي بيتروفيتش شوبياك (Matvey Petrovich Chopyak)، سن تشويبلسان عام 1936 قوانين سمحت له بحبس خصومه السياسيين. ومستغلا حادثة وفاة المارشال ديميد (Demid) المسترابة خلال شهر آب/أغسطس 1937، حصل تشويبلسان على منصب وزير الدفاع وقائد الجيش ليأمر على الفور باعتقال نحو 360 من معارضيه.
5 بالمائة من سكان البلاد
خلال الأيام القليلة التالية، أمر ستالين بإرسال ما لا يقل عن 30 ألف عسكري سوفيتي نحو الجمهورية الشعبية المنغولية بتعلة التصدي لتحركات عسكرية يابانية مريبة بمنشوريا. وبالتزامن مع ذلك، أرسل الاتحاد السوفيتي المسؤول بجهاز المفوضية الشعبية للشؤون الداخلية ميخائيل فرينوفسكي (Mikhail Frinovsky) نحو العاصمة المنغولية أولان باتور. وفي الأثناء، سلّم هذا المسؤول السوفيتي للقائد المنغولي تشويبلسان قائمة ضمت أسماء 115 سياسي اتهمتهم موسكو بالتجسس لصالح اليابانيين.
خلال الفترة التالية، تطورت أعمال العنف بمنغوليا لتتحول لفترة اعتقالات وإعدامات استمرت لنحو 18 شهرا وانتهت بمقتل عشرات الآلاف. فبأوامر من تشويبلسان، اعتقلت السلطات المنغولية وأعدمت 18 ألفا من الرهبان والمتدينين البوذيين وهدمت المئات من المعابد البوذية بالبلاد. أيضا، امتدت أعمال العنف لتطال العديد من المسؤولين السياسيين ومواطنين منغوليين من البورياتيين وذوي الأصول الكازاخية.
وعقب لقاء جمعه بستالين وكليمونت فوروشيلوف (Kliment Vorochilov) بموسكو، أمر تشويبلسان باعتقال الوزير الأول أناندين أمار (Anandyn Amar) الذي أرسل نحو الأراضي السوفيتية ليستجوب ويعدم من قبل أفراد المفوضية الشعبية للشؤون الداخلية.
عقب نجاحه في تعزيز موقعه كحاكم مطلق للبلاد، أعلن تشويبلسان بحلول أبريل/نيسان 1939 عن نهاية فترة التطهير الكبير بمنغوليا. وبناء على مصادر تلك الفترة، أسفرت هذه العمليات الأمنية التي استمرت 18 شهرا عن مقتل ما بين 30 و35 ألفا من المنغوليين وهو ما يعادل حينها حوالي 5 بالمائة من سكان البلاد.