على يد السوفيت.. محاولة قتل 2.5 ألماني جوعاً في برلين

خلال مؤتمر بوتسدام (Potsdam) ما بين شهر تموز/يوليو وآب/أغسطس 1945، اتفق الحلفاء على تقاسم ألمانيا لأربع مناطق نفوذ. وبناء على ذلك، اقتسمت العاصمة الألمانية برلين عقب رحيل النازيين بين كل من السوفيت والأميركيين والبريطانيين والفرنسيين. وبدلا من تخفيف حدة الخلاف والتوتر المتصاعدة بين الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا من جهة والاتحاد السوفيتي من جهة ثانية، ساهم قرار التقسيم، مع نهاية الحرب العالمية واستسلام اليابان، في تصاعد حدة الحرب الباردة وخلق أزمات عديدة بين الحلفاء السابقين.

تقسيم برلين

فمع نهاية الحرب العالمية الثانية، تخوف السوفيت من إمكانية عودة ألمانيا وظهورها مجددا على الساحة العالمية لتهديد أمن الاتحاد السوفيتي. فعقب مقتل أكثر من 15 مليون سوفيتي بالنزاع العالمي، حبّذ المسؤولون السوفيت ظهور ألمانيا جديدة موحدة منزوعة السلاح وغير مجهزة بجيش لتسهيل احتلالها والسيطرة عليها مستقبلا. وفي المقابل، رفض الأميركيون والفرنسيون والبريطانيون هذه الفكرة السوفيتية وحبذوا تحويل الأراضي الألمانية، ووسط أوروبا، لمركز قتال متقدم بعيد عن الأراضي الفرنسية في حال نشوب حرب مستقبلية مع الاتحاد السوفيتي.

من ناحية أخرى، امتلكت ألمانيا موارد طبيعية هائلة بالقرب من حدودها مع فرنسا حيث عجّت هذه المناطق بمناجم الفحم والحديد التي كانت ضرورية لإعادة بناء البلاد وإعادة تهيئتها. وخوفا من إمكانية وقوع هذه الوارد الطبيعية في قبضة السوفيت، رفض الأميركيون والفرنسيون والبريطانيون فكرة ظهور ألمانيا موحدة قابعة تحت تأثير الاتحاد السوفيتي. وتماما كألمانيا التي قسمت بين مناطق قابعة تحت نفوذ السوفيت بالشرق وأخرى قابعة تحت نفوذ الأميركيين والفرنسيين والبريطانيين بالغرب، قسمت برلين بنفس الطريقة ليجد بذلك الألمان أنفسهم أمام وضعية صعبة تزامنا مع تزايد حدة الخلاف بين الحلفاء السابقين عام 1948.

فشل المخطط السوفيتي

مع قيام عدد من الثورات الشيوعية بكل من اليونان وتركيا، اتجه الرئيس الأميركي هاري ترومان، بتأييد من الكونغرس، خلال شهر آذار/مارس 1948 لإقرار جملة من المساعدات العسكرية للدول الرافضة للهيمنة الشيوعية والتدخل السوفيتي فاتحا بذلك الطريق لتدخل الولايات المتحدة الأميركية بشؤون الدول الأخرى. في الأثناء، ساهمت هذه السياسة الجديدة في تزايد حدة الخلاف مع الاتحاد السوفيتي حيث تعارضت الأخيرة مع توجهات جوزيف ستالين الذي عقد آماله على خروج الأميركيين من أوروبا وتحول الاتحاد السوفيتي للقوة المهيمنة على الساحة الأوروبية.

خلال النصف الأول من العام 1948، التقى ممثلو كل من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا بلندن. وأثناء المحادثات، اتفق المجتمعون على توحيد مناطق نفوذهم لخلق جانب غربي لألمانيا لمواجهة تغلغل السوفيت وتزايد نفوذهم بالجانب الشرقي من ألمانيا. ولتكريس ما توصلوا إليه، اتخذ المجتمعون خطوة أولى اتجهوا من خلالها لخلق عملة موحدة لمناطق نفوذهم عرفت بالمارك الألماني.

تزامنا مع سماعهم بهذه التوجهات خلال شهر آذار/مارس 1948، انسحب السوفيت من مجلس إدارة ألمانيا المحتلة. وفي الأثناء، اتجه الأميركيون والبريطانيون والفرنسيون لتطبيق ما توصلوا إليه بمحادثات لندن عن طريق إقرار اعتماد المارك الألماني وتوحيد مناطق نفوذهم دون استشارة الاتحاد السوفيتي.

إلى ذلك، اعتبر القائد السوفيتي جوزيف ستالين الأمر إهانة لبلاده وخرقا للاتفاقيات السابقة. وكرد على الأمر، أمر الأخير يوم 24 حزيران/يونيو 1948 بغلق وقطع جميع الطرق والسكك الحديدية والقنوات المؤدية لمناطق نفوذ الحلفاء الغربيين ببرلين متسببا بذلك في بداية حصار برلين وقاطعا إمدادات الغذاء والكهرباء عما لا يقل عن 2.5 مليون ألماني.

أملا في وقف الأزمة الإنسانية التي هددت برلين الغربية اتجه الحلفاء الغربيون لاستغلال جانب من المجال الجوي القابع تحت سيطرتهم بين ألمانيا الغربية وبرلين الغربية لإنشاء جسر جوي لنقل الإمدادات وإفشال مخطط ستالين.

وقد بدأ الحلفاء الغربيون باستغلال هذا المجال الجوي يوم 26 حزيران/يونيو 1948. وعلى مدار 11 شهرا، قادت الطائرات الأميركية والبريطانية ما يزيد عن 270 ألف رحلة تموين نحو برلين الغربية مساهمة بذلك في انقاذ حياة الملايين من المجاعة. وأمام فشلهم في ثني الحلفاء الغربيين عن اتفاقهم السابق، فضّل السوفيت خلال شهر أيار/مايو 1949 رفع الحصار عن برلين الغربية أثناء فترة شهدت تزايد الخلاف بين المعسكرين الشرقي والغربي.

Original Article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

%d مدونون معجبون بهذه: