خلال الحرب العالمية الأولى، شهد العالم لأول مرة بالتاريخ استخداما مكثفا للأسلحة الكيماوية. ففي خضم هذا الصراع العالمي، لم تتردد مختلف الأطراف المتحاربة في اللجوء لهذا السلاح أملا في حسم المعارك بشكل سريع عن طريق تكبيد العدو خسائر جسيمة أثناء تواجده بالخنادق. وعلى حسب العديد من المصادر، أصيب نحو مليون جندي بسبب هجمات السلاح الكيماوي أثناء هذه الحرب الكبرى توفي من ضمنهم ما لا يقل عن 100 ألف.
في الأثناء، كانت الإمبراطورية الألمانية سباقة في استخدام هذا السلاح أثناء هذه الحرب. فبعد هجوم كيماوي أول فاشل باستخدام قذائف مليئة بغاز Xylyl bromide ضد الروس مطلع العام 1915 قرب منطقة بوليمو البولندية، استخدم الألمان خلال شهر أبريل/نيسان من نفس العام 168 طنا من غاز الكلور السام في خضم معركة إيبر الثانية فتسببوا في مقتل آلاف الجنود الفرنسيين.
هجوم قرب لوس
وبعد مضي نحو 5 أشهر عن الهجوم الألماني باستخدام غاز الكلور السام، لم يتردد البريطانيون في اعتماد السلاح الكيماوي أملا في إلحاق خسائر جسيمة بالقوات الألمانية وإجبارها على مغادرة خنادقها والتراجع بمعركة لوس (Loos) بالشمال الغربي لفرنسا. فخلال شهر أيلول/سبتمبر 1915، حاول كل من الفرنسيين والبريطانيين شن هجوم مشترك على جبهتين ضد الألمان أملا في إرباك وتشتيت تركيز القيادة الألمانية على الجبهة الغربية. وبينما قاد الفرنسيون هجوما عند منطقة أرتوا (Artois)، فضّل البريطانيون بقيادة المارشال دوغلاس هيغ (Douglas Haig) شن هجومهم بمنطقة لوس على مقربة من الحدود الفرنسية البلجيكية.
وفي خضم هذه المعركة، عانى البريطانيون من نقائص عديدة. فاستعدادا للملحمة عند منطقة لوس، أرسلت القيادة العسكرية البريطانية عددا كبيرا من المجندين الجدد الذين افتقروا للخبرة العسكرية والتكوين الكافي. فضلا عن ذلك، واجهت القوات البريطانية حينها نقصا حادا في عدد القذائف المدفعية بسبب الأزمة التي عاشت على وقعها البلاد حينها.
رياح وهجوم فاشل
وعلى الرغم من إدانتهم لاستخدام الألمان للسلاح الكيماوي خلال أبريل/نيسان 1915، وافق البريطانيون على الاستعانة بغاز الكلور لاستهداف المواقع الألمانية قبيل بداية الهجوم بمنطقة لوس. وانطلاقا من ذلك، حاولت بريطانيا حسم هذه المعركة بشكل سريع لتقديم شحنة معنوية هامة لقواتها خاصة مع تتالي الهزائم ضد الألمان طيلة الفترة السابقة.
إلى ذلك، تجاهل المسؤولون البريطانيون تحذيرات العديد من خبراء الأرصاد الجوية الذين نبهوهم لتقلبات الرياح واتجاهها. وأواخر شهر أيلول/سبتمبر 1915، فتح البريطانيون أكثر من 5 آلاف أسطوانة مليئة بغاز الكلور باتجاه المواقع الألمانية بلوس مطلقين بذلك حوالي 140 طنا من هذا السلاح الكيماوي قبيل بدء هجومهم الرئيسي.
ولسوء حظ البريطانيين حينها، شهدت المنطقة تغيرا مفاجئا في اتجاه الرياح سرعان ما أعاد غاز الكلور نحو خنادقهم ليتسبب في إصابة نحو 2000 ألفي جندي بريطاني فارق العشرات منهم الحياة بعد فترة وجيزة.
فشل هجوم لوس و50 ألف ضحية
وبناء على ذلك، عرف أول استخدام بريطاني للسلاح الكيماوي فشلا ذريعا بعد أن أسفر عن مقتل جنود بريطانيين بدلا من الألمان. أيضا، تلقت بريطانيا هزيمة قاسية على يد الألمان بمعركة لوس. فخلال الأيام التالية، فشل الهجوم البريطاني في تحقيق أهدافه بفضل قوة الدفاعات الألمانية التي كبّدت البريطانيين خسائر جسيمة تجاوزت الخمسين ألف جندي بين قتيل وجريح.