بات العرب على بعد يوم واحد من الوصول إلى المريخ لأول مرة في التاريخ، وذلك بعد اقتراب «مسبار الأمل» من الدخول إلى مدار الالتقاط حول الكوكب الأحمر في أول مهمة عربية لاستكشاف الكواكب تقودها دولة الإمارات.
ويصل المسبار غدًا الثلاثاء الموافق 9 فبراير/شباط 2021 إلى مدار الالتقاط حول كوكب المريخ، بعدما سافر في الفضاء العميق بمتوسط سرعة يبلغ 121 ألف كيلومتر في الساعة لسبعة أشهر، قاطعًا نحو 493 مليون كيلومتر.
وستنقل محطات التلفاز ومواقع الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي بثًا حيًا للحدث عند الساعة السابعة مساءً بتوقيت الإمارات (الثالثة بتوقيت جرينتش) عبر الرابط الخاص بالحدث
https://www.emiratesmarsmission.ae/live .
التحدي الأصعب
وينتظر مسبار الأمل عند دخوله إلى مدار الالتقاط حول المريخ غدًا، أحد أصعب التحديات في رحلته منذ أن كان فكرة طموحة، إذ عليه أن يخفض سرعته ذاتيًا من 121 ألف كيلومتر في الساعة إلى 18 ألف كيلومتر في الساعة خلال 27 دقيقة تعرف باسم: السبع والعشرون دقيقة العمياء، وذلك باستخدام محركات الدفع العكسي الستة «دلتا في» المزود بها المسبار.
وخلال هذه الدقائق الحرجة سيكون الاتصال متأخرًا بمركز التحكم في المحطة الأرضية في منطقة الخوانيج في دبي، وعليه أن ينفذ هذه العملية ذاتيًا، مع التغلب على ما قد يواجهه من تحديات خلال هذه الدقائق التي ستحدد مصير سبع سنوات من العمل عليه.
وتزداد صعوبة هذه المرحلة في كون الاتصال سيكون متأخرًا بين مركز التحكم والمسبار، ومن هنا جاءت تسمية هذه الدقائق السبع والعشرين بـالعمياء، إذ يجب أن يعمل المسبار بلا تدخل بشري على معالجة كافة تحدياته في هذه الفترة بطريقة ذاتية، وفي حال حدوث أي أعطال فنية في أكثر من محركين من محركاته للدفع العكسي سيتيه المسبار في الفضاء العميق أو يتحطم، دون إمكانية لاسترجاعه.
وستكون اللحظة الحاسمة غدًا عندما يتمكن فريق المحطة الأرضية من استلام الإشارة من المسبار فور تخطيه الدقائق العمياء إيذانًا بإعلان نجاح المهمة حتى هذه المرحلة.
دبي تصل الأرض بالمريخ
وفور دخول مسبار الأمل إلى مدار الالتقاط، ونجاح فريق مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ في الاتصال مع المسبار عن طريق مركز التحكم الأرضي في الخوانيج ستكون دبي نقطة اتصال بين كوكبي الأرض والمريخ على مدار سنة مريخية كاملة تمتد إلى 687 يومًا أرضيًا، وسيواصل الفريق إرسال الأوامر وتلقي الإحداثيات من المسبار حتى وصوله بأمان إلى المدار العلمي ثم إلى المرحلة العلمية. وبعد التأكد من أن كل الأمور تسير وفقًا لما خطط له الفريق، سيكون التواصل مع المسبار مرتين إلى ثلاث مرات أسبوعيًا. وستبلغ مدة كل نافذة اتصال من 6 إلى 8 ساعات يوميًا، علماً بأن التأخر في الاتصال بسبب المسافة بين الأرض والمريخ يتراوح بين 11 و22 دقيقة.
برنامج علمي نوعي
وتتضمن أهداف مسبار الأمل تقديم صورة متكاملة للغلاف الجوي للمريخ للمرة الأولى في تاريخ البشرية، الأمر الذي سيساعد العلماء على التوصل لفهم أعمق لأسباب تحول كوكب المريخ من كوكب مشابه لكوكب الأرض إلى كوكب ذي تضاريس قاسية، وهو ما يساعدنا على فهم مناخ كوكب الأرض والكواكب الأخرى بصورة أفضل، واستقصاء فرص العيش في الفضاء الخارجي وبناء مستوطنات بشرية على الكواكب الأخرى.
وتتجلى الأهداف الاستراتيجية للمشروع في تطوير برنامج فضائي وطني قوي، وبناء موارد بشرية إماراتية عالية الكفاءة في مجال تقنية الفضاء، وتطوير المعرفة والأبحاث العلمية والتطبيقات الفضائية التي تعود بالنفع على البشرية، والتأسيس لاقتصاد مستدام مبني على المعرفة وتعزيز التنويع وتشجيع الابتكار، والارتقاء بمكانة دولة الإمارات في سباق الفضاء لتوسيع نطاق الفوائد، وتعزيز جهودها في مجال الاكتشافات العلمية، وإقامة شراكات دولية في قطاع الفضاء لتعزيز مكانتها.
ويحمل مسبار الأمل رسائل فخر وأمل وسلام إلى المنطقة العربية ويهدف إلى تجديد العصر الذهبي للاكتشافات العربية.
3 أجهزة علمية
وبغرض تحقيق الأهداف العلمية لمسبار الأمل يحمل على متنه 3 أجهزة علمية مبتكرة، لنقل صورة شاملة عن مناخ المريخ أولها: كاميرا الاستكشاف الرقمية EXI وهي كاميرا رقمية لالتقاط صور ملونة عالية الدقة لكوكب المريخ وتستخدم أيضًا لقياس الجليد والأوزون في الطبقة السفلى للغلاف الجوي.
وهي كاميرا متعددة الطول الموجي، قادرة على التقاط صور بدقة 12 ميجابكسل مع الحفاظ على التدرج الإشعاعي اللازم للتحليل العلمي المفصل. والكاميرا مكونة من عدستين أحدهما للأشعة الفوق بنفسجية والأخرى للأطياف الملونة تستخدم لالتقاط صور ذات تفاصيل واضحة للمريخ. ويمكن للبعد البؤري القصير للعدسة أن يخفض من مقدار الزمن اللازم للتعريض الضوئي إلى وقت قصير جدًا لالتقاط صور ثابتة أثناء الدوران حول الكوكب، ما يرفع من درجة دقة وجودة الصور على الرغم من السرعة المرتفعة التي يدور بها المسبار حول المريخ، ففي خلال وجوده في المدار العلمي يدور المسبار دورة كاملة حول الكوكب الأحمر مرة كل 55 ساعة.
ويتكون مستشعر الكاميرا من مصفوفة أحادية اللون بدقة 12 ميجابكسل أبعادها 3:4. ويمكن التقاط الصورة وتخزينها على شريحة الذاكرة بحيث يمكن التحكم في حجم الصورة ودقتها مما يقلل من معدل نقل البيانات بين المسبار ومركز التحكم الأرضي.
ويستطيع المستشعر التقاط 180 صورة عالية الدقة في المرة الواحدة ويعني ذلك إمكانية تصوير فيلم بدقة 4 كي عند الحاجة. ويعتبر استخدام المرشحات المنفصلة ميزة إضافية يمكنها توفير دقة أفضل لكل لون من الألوان. كذلك فإنها توفر تفاصيل أكثر دقة في الصورة مما يساهم في تقليل درجة عدم اليقين عند قياس الإشعاع للتصوير العلمي. أما فيما يخص عدسة الأشعة فوق البنفسجية فسيكون نطاق التردد للموجات قصيرة الطول بين 245-275 نانومتر بينما سيكون نطاق التردد للموجات الطويلة بين 305 – 335 نانومتر، أما بالنسبة لنظام العدسة الأخرى فسيكون تردد اللون الأحمر 625 – 645 نانومتر واللون الأخضر 506 – 586 نانومتر واللون الأزرق 405 – 469 نانومتر.
وتتلخص مهمة كاميرا الاستكشاف الرقمية في دراسة الطبقة السفلى من الغلاف الجوي للكوكب الأحمر من خلال التقاط صور عالية الدقة للمريخ، وقياس العمق البصري للماء المتجمد في الغلاف الجوي، وقياس مدى وفرة الأوزون.
أما الجهاز الثاني فهو، المقياس الطيفي بالأشعة تحت الحمراء EMIRS الذي يقيس درجات الحرارة وتوزيع الغبار وبخار الماء والغيوم الجليدية في الطبقة السفلى للغلاف الجوي. وقد تم تطوير هذا الجهاز لالتقاط ديناميكيات الغلاف الجوي المتكاملة للمريخ، باستخدام مرآة المسح الضوئي لتوفير 20 صورة في الدورة الواحدة بدقة تبلغ من 100 إلى 300 كم لكل بكسل.
ويستهدف هذا المقياس الطيفي دراسة الغلاف الجوي السفلي للمريخ في نطاقات الأشعة تحت الحمراء، وتوفير معلومات من الغلاف الجوي السفلي بالتزامن مع ملاحظات من كاميرا الاستكشاف.
ويحتوي المقياس الطيفي بالأشعة تحت الحمراء على مرآة دوارة تقيس الأشعة تحت الحمراء في نطاق 6 إلى 40 مايكرومتر صُمم ليعطينا فهمًا أفضل حول تغير حالة الطقس خلال اليوم. وعلى وجه التحديد سيستخدم هذا المقياس للبحث في الحالة الحرارية للطبقة السفلى من الغلاف الجوي، والتوزيع الجغرافي للغبار وبخار الماء والجليد المائي.
والجهاز الثالث هو المقياس الطيفي بالأشعة ما فوق البنفسجية EMUS ويقيس الأكسجين وأول أكسيد الكربون في الطبقة الحرارية للمريخ والهيدروجين والأكسجين في الغلاف الخارجي للمريخ. وهو مقياس فوق بنفسجي مصمم لمراقبة التغيرات المكانية والزمنية للمكونات الرئيسة في الغلاف الحراري للمريخ على ارتفاع ما بين 100 إلى 200 كيلومتر والغلاف الخارجي على ارتفاع 200 كيلومتر على المقاييس الزمنية.
ويتمتع هذا الجهاز بدقة طيفية يمكن اختيارها من 1.3 نانومتر و1.8 نانومتر و5 نانومتر ونطاق طيف من 100 إلى 170 نانومتر لإجراء الملاحظات المطلوبة للانبعاثات فوق البنفسجية من الهيدروجين والأكسجين وأول أكسيد الكربون.
ويتكون هذا المطياف من تلسكوب أحادي العدسة يُغذي مطياف التصوير المزود بدائرة رولاند، والمجهز لعملية عدّ الفوتونات وتحديد موقعها. ويصل دقة مقياس المطياف في تحديد الأماكن للمسافات التي تقل عن 300 كيلومتر عن السطح، وهي مسافة كافية لتمييز الاختلاف المكاني بين الغلاف الحراري للمريخ الذي يقع على ارتفاع 100 – 200 كم، والغلاف الخارجي الذي يقع على ارتفاع أعلى من 200 كيلومتر. ويوفر المقياس في الدورة الواحدة ما لا يقل عن صورتين للغلاف الحراري للمريخ وما لا يقل عن 8 صور للغلاف الخارجي للمريخ.
ويستهدف المقياس الطيفي بالأشعة ما فوق البنفسجية تحديد مدى وفرة وتنوع أول أكسيد الكربون والأكسجين في الغلاف الحراري على نطاقات زمنية شبه موسمية، وحساب التركيب ثلاثي الأبعاد والنسب المتغيرة للأكسجين والهيدروجين في الغلاف الخارجي.
بعثات ثلاث
ويعد فبراير الجاري، شهرًا مريخيًا بامتياز، إذ تتسابق 3 دول، هي الولايات المتحدة الأمريكية والصين ودولة الإمارات، على الوصول إلى الكوكب الأحمر خلال هذا الشهر، وفي حال نجاح مسبار الأمل في تخطي الدقائق الـ27 العمياء والوصول إلى مدار الالتقاط في الموعد المحدد أو بتأخير قد يصل إلى ساعتين حسب السيناريوهات المحتملة التي حددها واستعد لها فريق عمل مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ، ستكون الإمارات في مقدمة هذا السباق، وستصبح خامس دولة في العالم تصل إلى مدار المريخ، وستكون ثالث دولة في العالم تصل إلى مدار الكوكب الأحمر من المحاولة الأولى.
وفي حال نجاح وصول الإمارات إلى كوكب المريخ من المحاولة الأولى، تكون الدولة حققت إنجازاً عالمياً يفوق نسبة نجاح الوصول إلى مدار الكوكب الأحمر والتي لا تتعدى تاريخيًا 50%.
وتصل مركبة تيانون-1 الصينية بعد يوم واحد من وصول مسبار الأمل، وذلك في العاشر من فبراير/شباط، وفي حال نجاح المركبة في الهبوط على سطح المريخ، ستكون المرة الأولى التي تنجح فيها جمهورية الصين الشعبية في الهبوط على سطح المريخ، وثاني دولة تنجح في تحقيق ذلك بعد الولايات المتحدة التي تعد الدولة الوحيدة التي نجحت في إنزال مركبة فضائية على سطح المريخ حتى الآن.
وتهبط مركبة بيرسيفيرانس الأميركية على فوهة جيزيرو التي كانت مليئة بالمياه سابقًا، وستعكف على البحث عن دلائل وجود حياة سابقة أو ميكروبية على سطح الكوكب الأحمر.
وستعمل البعثات الثلاث من أجل تحقيق الهدف ذاته لكن بشكل منفصل لاستكشاف الكوكب الأحمر، وستعمل كل بعثة على جمع معلومات قيمة ومفصلة من أجل الوصول لفهم أفضل وأشمل للغلاف الجوي للمريخ وسطحه، وسيعمل مسبار الأمل بشكل خاص على رسم أول خريطة لمناخ وطقس الكوكب بأكمله.
وستكون جميع هذه الاكتشافات نقلة نوعية على طريق فهم مناخ الكوكب الأحمر وغلافه الجوي الذي يمثل عاملًا أساسيًا في تمهيد الطريق لإقامة أول مستوطنة بشرية مستقبلية على سطح كوكب آخر غير كوكبنا.
وكوكب المريخ – التوأم العجوز لكوكب الأرض – يعد الخيار الأمثل لإنشاء أول مستوطنة بشرية في كوكب خارجي حيث أن جميع الأدلة العلمية والأبحاث حول الكوكب تثبت أنه كان يوما ما مزدهرًا بالمياه والجو الرطب وأن غلافه الجوي كان أيضًا ثقيلاً كثقل غلافنا الجوي.
وكشفت النمذجة المناخية الحديثة النقاب عن أن كوكبي المريخ والزهرة كانا في الماضي شبيهين جداً بالأرض، غير أن المريخ يعد الخيار الأمثل نظراً لاستقرار درجات الحرارة على سطحه مقارنةً بكوكب الزهرة المُلتهب.
ولا ريب أن أول مستوطنة بشرية على الإطلاق خارج كوكب الأرض لن تكون على كوكب المريخ في حال النجاح في إقامتها بل ستكون على سطح القمر الذي يعد المكان الأنسب للأبحاث والتجارب بسبب قربه من كوكب الأرض، والغلاف الجوي الرقيق جدًا الذي يمتاز به .. ونظراً لكون البشر سبق وأن زاروا القمر ولديهم الاستعداد لزيارته مرة أخرى.
وبحلول عام 2030، سيكون الجنس البشري على موعد مع إقامة أول مستوطنة مأهولة على سطح القمر ستمهد الطريق إلى مستوطنة مماثلة على سطح المريخ الأكثر تحديًا وصعوبة.
إن تحقق هذه النقلة العلمية المهمة في قطاع الفضاء لن تكون ممكنة ما لم تتكاتف وكالات الفضاء المختلفة وتتضافر جهود مختلف الدول حول العالم لوضع قواعد وخطط منظمة لاكتشاف الفضاء.
وللمساهمة في توحيد هذه الأهداف وإتمام البعثات نحو القمر، انضمت دولة الإمارات إلى 7 دول في اتفاقية أرتميس الدولية لإقامة تعاون سلمي لمواصلة اكتشاف القمر.
مشروع راشد
وكانت دولة الإمارات أعلنت في سبتمبر/أيلول من العام الماضي عن مشروع راشد، وهي أول مركبة فضائية إماراتية سُميت بهذا الاسم تخليدًا لمؤسس دبي المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم رحمه الله، وستنطلق المركبة الإماراتية إلى القمر في عام 2024.
وختاما فإن الهدف الأكبر من وراء كل هذا العمل الدؤوب والجهود العلمية الكبيرة لا يقف عن اكتشاف المريخ أو القمر وإنما اكتشاف الفضاء عمومًا من أجل فهم شامل لكل ما حولنا بما يصب في صالح البشرية.
The post غدًا التحدي الأصعب: مسبار الأمل أمام امتحان دخول مدار الالتقاط حول المريخ appeared first on مرصد المستقبل.