يستعد الفنان اليمني عبدالمجيد عامر، لتقديم أغنية للسلام يشارك فيها مواهب شابة من مختلف مدن اليمن، تهدف في جوهرها إلى وقف الحروب والعنف، وبث رسالة عبر الموسيقى تنقل صوت الوجع اليمني إلى العالم والإنسانية.
وفي حديث خاص لـ"العربية.نت"، أوضح عامر ابن مدينة عدن بالقول: "نخطط حالياً لعمل فني جديد، عمل يتضمن رسائل سلام برعاية منظمة اليونيسيف العالمية الناشطة في اليمن، حيث سيكون العمل هو أول تعاون يجمعني مع مجموعة فنانين يمنيين وغير يمنيين خلال مراحل إنتاجه، ويجري التحضير لكلمات العمل والألحان والتوزيع الموسيقي، ولدينا خطة للتعاون مع موسيقيين كبار أمثال الموسيقار المصري الشهير وليد فايد في مجال التوزيع الموسيقي"، مشيراً إلى أن العمل سيرى النور خلال الأشهر الأولى من العام 2022.
زمن الحرب ونفق الأزمات
وأعرب عامر عن أهمية دور الفنان اليمني اليوم في نشر رسالة التسامح والتعايش لإرساء قيم السلام ونبذ الخلافات لبناء اليمن الجديد، معتبراً أن الموسيقى لديها سطوة ناعمة قادرة على ترميم ما أفسدته السياسة". ويرى أن المشهد الفني الغنائي في مدينة عدن، تأثر بشكل أو بآخر في زمن الحرب وظلام الأزمات، وانسحب تأثيره بشكل كبير على نقص المواهب واختفاء الكثير من الطاقات الإبداعية الشابة سواء التي كانت في المجال الفني من السابق أو الناشئة منها، "لكننا نحاول من خلال الإنتاجات البسيطة المتكررة تعزيز وتنشيط الحراك الثقافي والفني بشتى الوسائل المتاحة والإمكانيات المتوفرة".
الفن أداة الشعوب المغلوبة على أمرها
وأضاف عامر بالقول: "الفن يساهم بشكل كبير في عملية صناعة السلام المجتمعي من خلال الجو العام الذي تشكله الفعاليات والأنشطة والأعمال الفنية المختلفة التي تغطي بشكل أو بآخر الواقع السيئ الذي صنعته السياسة، وهو أداة الشعوب الوحيدة للتعبير والترجمة عن مشاعرهم من خلاله، ومستراح المتعبين الذين يجدون فيه خلاصاً ومتنفساً من واقع مرير يحيط بهم".
عامر فنان شاب يسير على خط الأغنية المُلهمة أو بشكل أدق الأغاني ذات المعاني، وهو خط جديد تُشَكل فيه الأغنية بكلماتها المحفزة والهادفة والإيجابية معاني الأمل والتفاؤل والتحفيز لكل من يستمع لها، وهو خط فنّي ناقص وقلة هي أغانيه وإنتاجاته، إذ تشكل الأغنية العاطفية 80% من نتاج الأغاني في الوطن العربي، والدافع لتغطية هذا المجال هو الاحتياج لسماع أغاني تترجم المشاعر المختلفة من سعادة وحزن وحماس وإحباط واندفاع وفقدان للشغف وغيرها، كل هذه الأغاني تساهم في تشكيل الفهم والشعور المشترك لفهم الحياة بشكل أفضل.
واستطاع عبدالمجيد عامر بجهود فردية من تأسيس شركة إنتاج أنتج من خلالها أكثر من 20 عملاً فردياً وأكثر من 3 فيديو كليب موسيقي مصور كان آخرها فيديو كليب "ساكنة روحي" و"كُن مُلهماً"، كما يمتلك استديو إنتاج صوتي أيضاً، ما جعل البعض يصفونه بأنه مؤسسة ثقافية ومشروع موسيقي متكامل، يقود طموحه إلى حمل لواء الأغنية اليمنية واستعادة بريقها واحتضان مواهب شبابية وتقديمهم عبرها.
مواصلة الغناء أمام صوت المدافع والدبابات
ويضيء عامر على هموم ومشكلات الفنانين المتواجدين في مناطق النزاع الملتهب، فيقول: "يجب ألا نتوقف عن الفن ورفع صوت الغناء فوق ضجيج المدافع والدبابات، طالما أن الحلول متاحة أمامنا، فكل شيء ممكن في عصر الإنترنت، سواء من فرص عمل أو تعليم موسيقي وغيره، تنقصنا بعض الأدوات والأساليب التي نستطيع من خلالها التركيز على ما ينقصنا في المجال الفني والسعي لإكماله، فمثلاُ كثير من الأعمال الفنية الموسيقية حالياً نستطيع تنفيذها بالتعاون مع فنانين وموسيقيين من خارج اليمن، وهناك كثير من النماذج التي اغتنمت تلك الفرص، وكذلك هنالك الكثير من الأدوات الناعمة التي تُمكن الفنان اليمني من مواجهة الأزمات".
ولا يشكك عامر بقدرة الغناء على قوة ثقافية وإعلامية ناعمة تسكت صوت الحروب والصراعات والأزمات، معتبراً أن إنتاج محتوى غنائي ضد العنف، قادر على استنهاض همم الشباب لبناء يمن معافى، ويقول: "طالما باستطاعة الفن أن يغير في الناس ومشاعرهم للأفضل والأحسن، فهو يساهم بذلك في إسكات ضجيج الحروب والصراعات من خلال المعاني القيمة التي يمنحها للإنسان اليمني اليوم، تساعده على التمرد ضد واقعه المؤلم وبناء عالم أفضل له ولمستقبله.
ويضيف: "الأغاني ذات المعاني التي تحمل في طيات كلماتها رسائل السلام وموسيقاها ألحان نبذ العنف والصراع هي محتوى قوي وقيّم يمكّن المجتمعات من التخلص من الأزمات التي تنهشها وإخماد نيران الصراعات التي تأكل شبابها".
وتعقيباً على عزوف الناس عن الغناء وسعيهم وراء لقمة العيش، يقول الفنان اليمني الشاب: "أعتقد أنني على المستوى الشخصي أحد المتأثرين بالواقع وأحد المكافحين في الحياة اليومية، لكن كل ذلك لم يقف عائقاً أمامي، بل حاولت تطويع منتجي الفني في الكفاح بحثاً عن مصدر دخل يساعدني على توفير قوت يومي ومتطلبات أسرتي وتحقيق ذاتي".
وأضاف: "أسعى إلى تهيئة بيئة فنية تحتضن الإنتاجات الفنية التي أقدمها ومساحة إبداعية أستطيع من خلالها تطوير مهاراتي وزيادة خبرتي في المجال الفني، وأخطط مستقبلاً إلى توسيع هذا المشروع ليصبح مؤسسة ومركزاً فنّياً وموسيقياً وثقافياً كبيراً، يحتضن المزيد من الطاقات الإبداعية الشابة ويستثمر فيهم وفي إبداعاتهم".
فقدان الفنان للأمل
وبحسب عامر، فإن أبرز معيقات ازدهار الأغنية اليمنية في ظل الحرب الدائرة في اليمن، وعدن على وجه الخصوص، تكمن في فقدان الفنان لأمل نهوض الفن اليمني، لذلك ينبغي أن نؤمن في البداية بأننا نستطيع أن نصنع الكثير من المتاحات الممكنة لدينا، فإذا تجاوزنا الصعوبة النفسية الأولى نستطيع تجاوز أيضاً مشكلة الغياب التام لشركات الإنتاج الفني في اليمن والداعمين لمختلف الفنون والأنشطة والإنتاجات الفنية والثقافية، مروراً بغياب المعاهد والمراكز الموسيقية التي يستطيع من خلالها الفنان تطوير مهارته والاحتكاك بأقرانه في الوسط الفني وتنمية خبراته وغيرها الكثير من العقبات التي نأمل أن نستطيع حلها وتجاوزها يوماً ما، والمضي بالأغنية والفن اليمني قدماً".
ولم يقف عامر مكتوف الإبداع أمام جحيم المآسي التي خنقت بلاده بالأزمات، فقد كانت له مبادرات لصناعة السلام من خلال إعلاء صوت الغناء للترفيه عن مواجع الشعب الذي عصفت به ظروف الفقر والحصار، حيث يؤكد على أهمية أن يكون الفنّان إنساناً يترجم معاناة أبناء مجتمعه وبيئته عبر فنه وأغانيه ويلامس مشاكلهم ويتطرق لتسليط الضوء على كل آلامهم من خلال أعماله الفنية والموسيقية.
لا ينكر عامر حجم التحديات أمام صناعة منتج موسيقي يمني قادر على كسر الحصار وتجاوز حدود الصراعات للوصول إلى مختلف الثقافات خارج اليمن، لكنه يراهن على الاستفادة من مخزون التراث المحلي اليمني لتأليف موسيقى جديدة تتناغم مع مزاج الأجيال الحالية، ويشير بالقول: "أمتلك رؤية تتبنى تجديد الأغاني اليمنية القديمة والمورث الفني اليمني والموسيقي القديمة بأسلوب حديث وموسيقى شبابية وعصرية، مع الاحتفاظ بالطبع على أصالة الأغنية والموروث اليمني الموسيقي بالأخص العدني منه، فهناك خطة لتجديد الأغاني التراثية القديمة كأغنية "بلاد الثائرين" للفنان الراحل محمد سعد عبدالله، و"يا ميناء التواهي" للكبير محمد رشد ناجي.. وغيرها الكثير. ونسعى إلى انتاجها في قوالب موسيقية معاصرة بأسلوب إيقاعي شبابي يتناسب مع متطلبات ذائقتهم الفنية".