مع نهاية الحرب العالمية الثانية، عاش العالم خلال القرن الماضي على وقع الحرب الباردة التي مثلت نزاعا غير معلن بين المعسكرين الغربي، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية والشرقي الذي تزعمه الاتحاد السوفييتي. ومع اكتساب الأميركيين والسوفيت للقنبلة النووية، اتجه كلا الطرفين لتطوير صواريخ بعيدة المدى قادرة على عبور الأطلسي لإصابة الطرف الآخر.
وفي خضم أبحاثه لاكتساب صواريخ من هذا النوع، عاش الاتحاد السوفييتي عام 1960 على وقع أسوأ كارثة صاروخية بالتاريخ حيث أسفرت إحدى تجاربه عن سقوط عدد كبير من القتلى كان من ضمنهم المارشال المسؤول عن سلاح المدفعية السوفييتية ميتروفان نيديلين (Mitrofan Nedelin).
إعداد الصاروخ
يوم 23 أكتوبر 1960، جهّز الخبراء السوفيت نموذجا من صاروخ آر 16 (R-16) بميناء بايكونور (Baikonur) الفضائي واستعدوا لإجراء الاختبارات النهائية عليه قبل إطلاقه. إلى ذلك، تجاوز طول هذا الصاروخ 30 مترا وبلغ قطره 3 أمتار كما قدّر وزنه عند الإطلاق بحوالي 141 طنا وزوّد بمواد سريعة الالتهاب كوقود.
وأثناء الاستعدادات ببايكونور، أمر المارشال ميتروفان نيديلين بتسريع الاختبارات وتجهيز الصاروخ بأقرب وقت ممكن. ومن خلال ذلك، سعى هذا المارشال لإعداد صاروخ آر 16 بشكل سريع كي يكون جاهزا للإطلاق بحلول يوم 7 نوفمبر 1960 الموافق لذكرى الثورة البلشفية.
تعتيم إعلامي
بسبب التجهيزات الرديئة وشروط السلامة السيئة، تسببت مشكلة كهربائية في اندلاع حريق كبير بالقسم الثاني من الصاروخ آر 16. ومع امتداد الحريق، بلغت ألسنة اللهب القسم الأول المليء بخزانات الوقود لتتسبب في انفجار هائل دمر الصاروخ وأحرق جميع من تواجدوا على مقربة من موقع الإطلاق.
من ناحية أخرى، انتشرت الغازات السامة الناتجة عن احتراق الوقود بالمكان وزادت من هول الكارثة حيث أسفرت الأخيرة عن اختناق وموت عدد كبير من الحاضرين كان من ضمنهم المارشال ميتروفان نيديلين الذي تفحمت أجزاء من جسمه عند وقوع الكارثة.
أيضا، شهد موقع الإطلاق مقتل وتفحم ما يزيد عن 70 مسؤولا ومهندسا سوفيتيا لحظة انفجار الصاروخ بسبب تواجدهم على مقربة منه. ولحسن حظه، نجا مصمم الصواريخ السوفييتي الشهير ميخائيل يانغيل (Mikhail Yangel) بأعجوبة. فقبل فترة وجيزة من وقوع الكارثة، ابتعد يانغيل مئات الأمتار عن موقع الإطلاق لتدخين سيجارة.
على مدار عقود، تضاربت الروايات حول عدد قتلى كارثة الصاروخ آر 16. فبينما اكتفى الإعلام السوفييتي بعبارات "عدد هائل من القتلى"، تحدثت المصادر الغربية بناء على معلومات استخباراتية عن مقتل نحو 300 شخص وإصابة المئات جراء هذه الكارثة التي لقبت بكارثة نيديلين نسبة للمارشال ميتروفان نيديلين.
وعقب حادثة انفجار الصاروخ، مارس الاتحاد السوفييتي تعتيما إعلاميا واتجه لإخفاء عدد الضحايا بناء على قرار مباشر من خروتشوف. فضلا عن ذلك، تلقت عائلات الضحايا، وعلى رأسهم عائلة نيديلين، أوامر بتجنب الحديث عن الكارثة وإعلان وفاة أقربائهم بحادث سقوط طائرة.