مطلع القرن العشرين، واجه البلاشفة مصاعب جمّة للحصول على الدعم المادي لتمويل أنشطتهم بالإمبراطورية الروسية وخارجها. فعقب إجهاض ثورة عام 1905، الملقبة أحيانا بالثورة الروسية الأولى، ضيّقت الشرطة القيصرية الخناق على الحزب البلشفي وقيادته واتجهت لاعتقال عدد هام من أتباعه تزامنا مع تواصل عمليات تجفيف موارده المالية.
وبسبب النقص الحاد في الموارد المالية، نظّم كبار قادة الحزب البلشفي عام 1907 عملية سطو مسلح على أحد بنوك البلاد وتمكنوا من اختلاس مبلغ مالي كبير.
التخطيط للعملية
قبل مؤتمرهم الخامس، اجتمع كبار القادة البلاشفة خلال شهر نيسان/أبريل عام 1907 ببرلين للتشاور حول فرضية القيام بسطو مسلح على أحد البنوك الروسية لتوفير موارد مالية إضافية. وخلال هذا الاجتماع الذي حضرته شخصيات بارزة كفلاديمير لينين وجوزيف ستالين وليونيد كراسين وألكسندر بوغدانوف ومكسيم ليتفينوف، اتفق الجميع على تكليف جوزيف ستالين، البالغ من العمر 29 عاما والملقب حينها بلقب كوبا (Koba) لتضليل السلطات الأمنية الروسية، وزميله سيمون تير بيتروسيان، المعروف حينها بكامو (Kamo)، بإعداد خطة للسطو على بنك مدينة تفليس (Tiflis)، المعروفة حاليا بتبليسي (Tbilisi) عاصمة جورجيا، التي كانت حينها جزءا من الإمبراطورية الروسية.
وخلال تلك الفترة، عاش ستالين، ذو الأصول الجورجية، بمدينة تفليس وكان مدركا لجميع مداخلها ومنافذها. ولتسهيل عملية السطو، استعان هذا المسؤول البلشفي بصديقين له عملا بالبنك وحصل عن طريقهما على معلومات حول موعد وصول العربة المحملة بالأموال للمدينة.
إلى ذلك، تكفل كراسين بمهمة صناعة القنابل التي ستستخدم في الهجوم. وفي المقابل، قامت مجموعة تابعة لكامو بنقل هذه القنابل لداخل مدينة تفليس عن طريق إخفائها داخل أريكة.
فضيحة وتهريب الأموال
بساعة مبكرة من يوم 26 حزيران/يونيو 1907، التقى ستالين برفاقه عند ساحة يريفان بتفليس لوضع اللمسات على الخطة. وفي الأثناء، زادت سلطات المدينة من تواجدها الأمني بالمنطقة عقب سماعها لإشاعات حول إمكانية حدوث هجوم إرهابي. وفي حدود الساعة العاشرة صباحا من نفس ذلك اليوم، مرت عربة نقل الأموال، التي جرتها الخيول وكان من المنتظر أن تنقل كميات هامة من الأموال بين مكتب البريد والبنك المركزي، قرب ساحة يريفان تحت حراسة أمنية مشددة. وبالتزامن مع ذلك، باشر اللصوص بقذف هذا الموكب بالقنابل اليدوية قبل أن يفتحوا نيران مسدساتهم وبنادقهم تجاه الوحدات الأمنية التي عجزت عن التصدي لهم.
إلى ذلك، تمكن البلاشفة من نهب حقائق النقود ونجحوا في الفرار بفضل كامو الذي خدع رجال الشرطة الروسية بعد أن انتحل شخصية أحد قادة سلاح الخيالة الذين عملوا على تأمين نقل الأموال.
خلال تلك الفترة، واجه البنك المركزي الروسي فضيحة بسبب فشله في تقدير كميات الأموال التي نهبت منه. وفي الأثناء، أشارت أغلب التقديرات لحصول البلاشفة على نحو 341 ألف روبل عقب عملية السرقة. من ناحية أخرى، تضاربت التقارير التي تحدثت عن عدد القتلى. فبينما أكدت السلطات الروسية سقوط 3 قتلى فقط، نقلت التقارير الأجنبية، حسب شهود عيان، مقتل نحو 40 عسكريا وإصابة العشرات مؤكدة على فرار جميع اللصوص الذين وقع بعضهم بقبضة رجال الأمن بالأشهر التالية.
لاحقا، ظهرت العديد من الروايات حول دور ستالين بالعملية. فبينما تحدّث البعض عن مشاركته بشكل مباشر في عملية السطو المسلح، تحدّث كامو عن تواجد ستالين بمكان غير بعيد عن مسرح الجريمة وتدخينه لسيجارة أثناء متابعته لوقائع مقتل العشرات من العسكريين المكلفين بحراسة الأموال. ومع استلامه لزمام الأمور بالاتحاد السوفيتي عقب وفاة لينين، اتجه ستالين لتقزيم دوره بالسطو المسلح بتفليس عام 1907 وعاقب كل من لمّح لمشاركته بالعملية.
خلال الأشهر التالية، تناقلت الصحف العالمية أطوار فضيحة السطو المسلح على عربة نقل الأموال بتفليس. وفي الأثناء، نجح البلاشفة في تهريب كميات كبيرة من الأموال المنهوبة خارج البلاد لشراء مزيد من الأسلحة ودعم أنشطة الحزب.