يوم الثلاثاء الماضي الموافق 3 آب/أغسطس 2020، ذهل العالم على وقع صور الحادثة التي باتت تعرف "ببيروتشيما"، حيث أدى انفجار بمرفأ بيروت وتحديداً عند المستودع رقم 12 لمقتل 154 على الأقل وإصابة 5000 شخص، مخلّفاً دمارا هائلا بجانب واسع من العاصمة اللبنانية.
وبحسب التحقيقات الأولية التي أعلنت عنها السلطات، امتد حريق نشب بالمستودع رقم 9 في المرفأ ليبلغ العنبر رقم 12 الذي خزّن به أكثر من 2500 طن من مادة نترات الأمونيوم، ليقع انفجار عادلت شدته انفجار ما يقارب 1155 طنا من مادة تي إن تي (TNT).
وأعادت هذه المآساة إلى أذهان العالم، مآسي أخرى مشابهة، فقبل "بيروتشيما"، يقف مركب نترات الأمونيوم الكيميائي، الذي يشاع استخدامه بالأسمدة الزراعية، وراء العديد من الكوارث التي أودت بحياة كثيرين بدول عدّة كبريطانيا، وألمانيا، وبلجيكا، وفرنسا، والصين، والولايات المتحدة الأميركية.
بريطانيا عام 1916
عاشت مدينة فافيرشام (Faversham) بمقاطعة كنت بجنوب شرقي إنجلترا، يوم 2 نيسان/أبريل 1916 أحد أسوأ الحوادث الصناعية بتاريخها.
فأثناء الحرب العالمية الأولى، تركزت بفافيرشام العديد من مصانع الذخيرة التي عملت بشكل دؤوب على توفير حاجيات الجيش البريطاني على جبهة القتال.
وعقب حريق مجهول المصدر قيل إنه أتى على عدد من الأكياس الفارغة وامتد نحو مخزن خشبي اعتمد لتخزين حوالي 200 طن من مادتي تي إن تي ونترات الأمونيوم التي استخدمت في صناعة مادة أماتول (Amatol)، جدّ في حدود الساعة الثانية وعشرين دقيقة زوالا انفجار هائل أودى بحياة 115 شخصا وأصاب 700 آخرين.
ألمانيا عام 1921
وفي منطقة أوباو (Oppau) الألمانية التي هي اليوم جزء من مدينة لودفيغسهافن، شهدت ألمانيا بعد مضي أقل من 3 سنوات عن نهاية الحرب العالمية الأولى إحدى أسوأ كوارثها الصناعية بمصنع شركة باسف (BASF) الكيميائي.
فيوم 21 أيلول/سبتمبر 1921، وقع انفجاران متتاليان بإحدى الصومعات البرجية المعتمدة لتخزين حوالي 4500 طن من مادتي كبريتات الأمونيوم ونترات الأمونيوم المستخدمة في صناعة الأسمدة.
وقد أدى ذلك لظهور حفرة واسعة بالأرض بلغ عمقها 19 مترا وأسفر عن وفاة 561 شخصا وإصابة الآلاف.
إلى ذلك، قدرت الخسائر المالية حينها بحوالي 7 ملايين دولار أميركي ودمر 80% من منازل أوباو ليجد بذلك 6500 شخص أنفسهم في الشوارع بدون مأوى كما بلغت الهزات الارتدادية التي أوقعها الانفجار مدنا كمانهايم (Mannheim) وهايدلبرغ (Heidelberg) وأوقع بها جانبا من الخسائر المادية.
وخلال الأيام التالية، أقيمت جنازة لضحايا الانفجار حضرها نحو 70 ألف شخص كان من ضمنهم الرئيس الألماني فريدريش إيبرت (Friedrich Ebert) ورئيس الوزراء هوغو ليرشنفيلد (Hugo Lerchenfeld).
أميركا عام 1947
أما أميركا، ففي مرفأ مدينة تكساس بمقاطعة غاليفنستون عام 1947، اهتزت الولايات المتحدة على وقع انفجار هائل كان وراءه نترات الأمونيوم فقد حلت في شهر نيسان/أبريل 1947، سفينة أس أس غراندكامب (SS Grandcamp) حاملة العلم الفرنسي بميناء تكساس استعدادا لنقل حمولة تكونت أساسا من التبغ الذخيرة ونترات الأمونيوم.
ويوم 16 أبريل/نيسان 1947، اندلع حريق، قيل إنه بسبب عقب سيجارة مشتعلة ألقى بها أحد العمال، على متن السفينة غراندكامب.
وعلى الرغم من محاولات إخماد الحريق، إلا أن ألسنة اللهب قد بلغت مواقع تخزين نترات الأمونيوم بالسفينة لتشهد المنطقة بذلك انفجارا هائلا تبعته انفجارات أخرى طالت مرافق أخرى محاذية للميناء.
وقد أسفرت هذه الكارثة التي تسببت فيها نيترات الأمونيوم عن وفاة 581 شخص وإصابة قرابة 3500 آخرين بحروق كما قدرت الخسائر المادية حينها بنحو 100 مليون دولار..
فيما وجد ألفا شخص أنفسهم بلا مأوى عقب خراب أكثر من 500 منزل.
في الأثناء، أثارت هذه الكارثة غضب الشارع الأميركي حيث اتهم كثيرون المسؤولين بإهمال إجراءات السلامة وتهديد حياة الناس وقد عرفت هذه القضية نهايتها منتصف الخمسينيات عقب موافقة الكونغرس الأميركي على دفع مبلغ يعادل 17 مليون دولار لنحو 1394 من ضحايا الانفجار.
فرنسا والصين
وقد كان لفرنسا نصيبها من المآسي مع نترات الأمونيوم. ففي يوم 28 تموز/يوليو 1947، اندلعت النيران بسفينة الشحن النرويجية أوسيان ليبرتي (Ocean Liberty)، التي كانت محملة بأكثر من 3 آلاف طن من نترات الأمونيوم والعديد من المواد الأخرى سريعة الالتهاب، أثناء تواجدها قرب ميناء بريست (Brest) لتشهد بذلك المنطقة انفجارا ألحق أضرارا جسيمة بالميناء وأسفر عن وفاة 29 شخصا وإصابة الآلاف.
ويوم 21 أيلول/سبتمبر 2001، كانت مدينة تولوز الفرنسية على موعد مع حادثة مشابهة حيث حدث انفجار بمجمع كيميائي، عرف بـ AZF، خزنت بداخله آلاف الأطنان من نترات الأمونيوم وقد أدت الحادثة حينها لوفاة 31 شخصا وإصابة 2500 آخرين.
أيضا، عانت جمهورية الصين الشعبية من ويلات نترات الأمونيوم، فبسبب سوء تخزين القطن المتفجر بمستودع كيميائي بمنطقة بينهاي الجديدة، وقعت انفجارات يوم 12 آب/أغسطس 2015 سرعان ما امتدت لتبلغ مخزون نترات الأمونيوم بالمنطقة والمقدرة بنحو 800 طن وقد أدى ذلك لانفجار هائل وحرائق أسفرت عن وفاة 173 شخصا وإصابة نحو 800 آخرين.