أواخر العام 1865، شهدت القارة الأوروبية حدثا فريدا من نوعه سعى من خلاله عدد من القادة للتقريب بين دولهم عن طريق نظام مالي جديد. فباقتراح من الإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث (Napoleon III)، وقعت كل من فرنسا وإيطاليا، بقيادة الملك فيكتور إيمانويل الثاني، وبلجيكا، بقيادة الملك ليوبولد الثاني، وسويسرا اتفاقية نقدية على أمل بعث أول وحدة نقدية، لقبت بالاتحاد اللاتيني، بالتاريخ بين هذه الدول.
عملة "النابليون"
من خلال هذه الاتفاقية، وافقت كل من فرنسا وسويسرا وإيطاليا وبلجيكا على الحفاظ على عملاتها وتوحيد قيمتها مقابل الذهب. وبموجب ذلك، أصبح من الممكن التعامل بجميع هذه العملات على أراضي الدول الأربع الموقعة على الاتفاقية، حيث استطاع الفرنسي حينها، مثلا، اقتناء أشياء من بروكسل ودفع ثمنها بالفرنك الفرنسي.
من ناحية ثانية، استثنت هذه الاتفاقية القطع النقدية التي قلّت قيمتها عن 20 سنتا والأموال التي كانت على شكل أوراق من المعاملات.
إلى ذلك، استوحى نابليون الثالث فكرة هذه العملة الموحّدة من العملة السابقة التي وضعها عمّه الإمبراطور نابليون بونابرت، نابليون الأول، لتوحيد المعاملات النقدية بالأراضي التي هيمنت عليها فرنسا عقب الثورة الفرنسية. وقد أطلق بونابرت حينها اسم "النابليون" على عملته التي كانت عبارة عن قطعة نقدية بمقدار 5.8 غرام من الذهب وذات قيمة عادلت 20 فرنكا.
وعقب معركة واترلو ونهاية فترة الإمبراطورية الأولى بفرنسا، تمّ رسميا الاستغناء على عملة "النابليون". لكن مع حصولهم على استقلالهم عام 1830، فضّل البلجيكيون اعتماد عملة ذات قيمة وخصائص مشابهة للنابليون لبلوغ جانب من الاستقرار المالي. فضلا عن ذلك، لجأت الدويلات الإيطالية لنفس هذه الفكرة أثناء سعيها نحو الوحدة.
نهاية الاتحاد اللاتيني
وفي الأثناء، تضمنت الاتفاقية الموقعة من قبل الدول الأربع بنودا سمحت لهم بالانسحاب منها في أي وقت دون أية ضغوطات كما أيّدت قبول أية دولة أخرى قد ترغب بالانضمام إليها. يوم 8 تشرين الأول/أكتوبر 1868، انضمت اليونان رسميا لهذه الاتفاقية النقدية. وبأوجه، ضم الاتحاد اللاتيني 26 دولة كان من ضمنها دول بالقارة الأميركية ومستعمرات بإفريقيا. ولوهلة ما، خططت الولايات المتحدة الأميركية للالتحاق بهذه الاتفاقية قبل أن تتراجع بعد جملة من المشاورات.
تزامنا مع توافد كميات هامة من الذهب والفضة القادمة من سيبيريا وجنوب إفريقيا وأستراليا، ساهم الاتحاد اللاتيني في ازدهار العديد من الاقتصادات الأوروبية. لكن وعلى الرغم من النجاح الذي حققته هذه التجربة المبكرة للوحدة الأوروبية، جاءت الحرب العالمية الأولى لتوجه الضربة القاضية للاتحاد اللاتيني الذي اختفى نهائيا بحلول العام 1927.