خلال الأيام الماضية، جاءت قضية الرجل الفرنسي البالغ من العمر 57 سنة ألان كوك (Alain Cocq) لتطرح مزيداً من الأسئلة حول مسألة الموت الرحيم بفرنسا. ويعاني ألان كوك منذ سنوات طويلة من مرض غير قابل للشفاء. وأملاً في إنهاء معاناته مع المرض، اتجه الأخير لمناشدة الرئيس الفرنسي منحه "حق الموت الرحيم"، وهو الأمر الذي رفضه إيمانويل ماكرون، مؤكداً أن القانون الفرنسي يمنع منح المرضى "حق الوفاة" بمساعدة طبية.
وأملاً في تحقيق مبتغاه، اتجه ألان كوك لوقف علاجه كما لجأ لتقنية البث المباشر على "فيسبوك" لتصوير وتوثيق وفاته، وهو الأمر الذي رفضته إدارة الموقع عن طريق حظر ذلك البث.
وتعيد قصة ألان كوك للأذهان قصة أخرى مشابهة وقعت قبل نحو 17 سنة وأدخلت بعض التعديلات على القانون الفرنسي. وأثارت منذ حوالي عقدين قضية فنسنت هامبرت (Vincent Humbert) ضجة بفرنسا، تأججت وأعادت طرح العديد من التساؤلات عقب حصول الأخير على "الحق بالوفاة" بشكل غير قانوني بمساعدة والدته وأحد أطبائه.
وتعود بداية هذه القضية لمطلع القرن الحالي. فيوم 24 أيلول/سبتمبر عام 2000، تعرض رجل الإطفاء الفرنسي فنسنت هامبرت البالغ من العمر حينها 19 سنة لحادث مرور أليم، اصطدمت خلاله سيارته بشاحنة، نقل على إثره فاقدا لوعيه إلى مستشفى روان (Rouen) ومن ثم لمصحة بيرك (Berck).
بعد غيبوبة استمرت لتسعة أشهر، أفاق فنسنت هامبرت ليجد نفسه مصاباً بشلل رباعي وفاقداً لبصره وغير قادر على الكلام. ويوم 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2002، اعتمد فنسنت هامبرت على وسائل تواصله المتمثلة في حاسة السمع وإبهامه الأيمن للتواصل مع مساعدته المختصة في التعامل والتواصل مع مثل هذه الحالات، فراسل الرئيس الفرنسي جاك شيراك (Jacques Chirac) وتوسل إليه لإنهاء معاناته عن طريق السماح له بالرحيل ومنحه حق الموت الرحيم.
رفض شيراك الاستجابة لطلب فنسنت هامبرت، مؤكداً أنه يتنافى مع القانون الفرنسي، ملمحاً لعدم امتلاكه صلاحيات تسمح له بالقيام بذلك.
أمام متابعتها لمعاناته ورغبته في الموت، وعدت ماري هامبرت، والدة فنسنت هامبرت، خلال برنامج تلفزيوني بمساعدة ابنها على الرحيل. ويوم 24 أيلول/سبتمبر 2003، قدمت ماري خلسةً لابنها جرعات كبيرة من دواء البنتوباربيتال (pentobarbital) قبل أن يتفطن إليها عدد من الممرضين. وبسبب ذلك، دخل فنسنت هامبرت في غيبوبة نقل على إثرها لقسم الإنعاش وظل تحت رعاية الطبيب فريدريك شوسوا (Frédéric Chaussoy) بينما اعتقلت والدته لتظل موقوفة لفترة وجيزة.
عقب مشاورات مع أفراد عائلة رجل الإطفاء السابق، وافق الطبيب فريدريك شوسوا على قطع جميع الأجهزة وإجراءات الإنعاش عن فنسنت هامبرت ليفارق بذلك الأخير الحياة بشكل سريع عن عمر يناهز 22 سنة.
خلال الأيام التالية، رفع المدعي العام قضية ضد ماري هامبرت والطبيب فريدريك شوسوا بتهمة القتل العمد، انتهت بعدم سماع الدعوى.
وبعد حوالي عام عن حادثة وفاة ابنها، حاولت ماري هامبرت تغيير القانون الفرنسي فجمعت مئات آلاف التواقيع المطالبة بمنح "حق الموت الرحيم والانتحار بمساعدة طبية". وعقب جملة من المشاورات، وافق البرلمان الفرنسي على قانون جديد جرّم قتل المرضى بطرق طبية وحدد في المقابل ضوابط للذين يعانون من أمراض مستعصية وبمراحل متقدمة لإنهاء حياتهم عن طريق وقف تلقي العلاج.