قبل 22 قرناً.. هذه تفاصيل إبادة المرتزقة بشمال إفريقيا

بروايته التاريخية الشهيرة صلامبو (Salammbô) التي ظهرت خلال العام 1862، يقدم الروائي والكاتب الفرنسي غوستاف فلوبير (Gustave Flaubert) جانبا هاما من الأحداث التي رافقت حادثة تمرد المرتزقة بقرطاج بالقرن الثالث قبل الميلاد تزامنا مع نهاية الحرب البونيقية التي وضعت القرطاجيين وجها لوجه مع الرومان.

وقد جاءت رواية صلامبو لتزيد من شهرة غوستاف فلوبير الذي سرعان ما تحوّل لوجه من وجوه الأدب الفرنسي عقب النجاح الكبير الذي حققته روايته مادام بوفاري (Madame Bovary) التي عرفت النور عام 1857.

تعويضات ومستحقات مالية

خلال الحرب البونيقية الأولى التي استمرت بين عامي 264 و241 قبل الميلاد، هزم القرطاجيون على يد الرومان واضطروا لقبول شروط سلام مذلة. وبموجب البنود التي فرضتها روما بمعاهدة لوتاتيوس (Lutatius)، أجبرت قرطاج على التخلي عن صقلية وتقديم تعويض مالي ضخم لروما بلغت قيمته نحو 3200 طالنط.

وأثناء فترة صراعها مع روما، اعتمدت قرطاج بشكل كبير على مرتزقة أجانب من السلتيين والإيبيريين والإغريقيين والليغوريين والليبيين لمقارعة الجنود الرومان. وقد جاء هؤلاء المرتزقة للقتال مع القرطاجيين طمعا في الرواتب المرتفعة وأملا في الحصول على الغنائم في حال هزيمة روما. ومع سماعهم بخبر معاهدة لوتاتيوس، تذمر المرتزقة من نهاية الحرب واتجهوا نحو الشغب للضغط على قرطاج من أجل مواصلة القتال.

إلى ذلك، واجهت قرطاج أزمة عويصة حيث عجزت الأخيرة عن سداد رواتب المرتزقة بسبب الأزمة المالية الخانقة التي أدت لإفراغ خزائن الدولة عقب موافقة مجلس الشيوخ القرطاجي على دفع تعويضات خيالية لروما لإنهاء الحرب. وأمام هذا الوضع، اتجه عشرات الآلاف من المرتزقة القرطاجيين المرابطين بصقلية لمطالبة قرطاج بسداد رواتبهم. ومع تلكؤ قرطاج في تسديد مستحقاتهم، رفع أفراد المرتزقة سقف مطالبهم وطالبوا مجلس الشيوخ القرطاجي بمبالغ إضافية كتعويضات عن خسائرهم بالحرب البونيقية الأولى.

حسم الحرب ضد المرتزقة

مع إجلائهم وعودتهم من صقلية، جمّعت قرطاج مرتزقتها ذوي الخبرة العسكرية، على مقربة من العاصمة قبل أن ترسلهم فيما بعد نحو منطقة سيكا (Sicca)، قرب مدينة الكاف حاليا، بسبب مخاوف مجلس الشيوخ من تكدس هذه القوات الأجنبية بجوار العاصمة. ومع فشل مفاوضات سداد أجورهم، اتجه عشرات الآلاف من المرتزقة المتمركزين بسيكا لتنظيم حركة تمردية ضد قرطاج بقيادة كل من القائد الأمازيغي، والعسكري السابق بجيش قرطاج، ماتوس (Mathos) والمقاتل المنحدر من مناطق الغال أوتاريتوس (Autaritus) ورفيقه سبينديوس (Spendios).

وأملا في إضعاف صفوف المرتزقة، أرسلت قرطاج الجنرال جيسكو (Gisco) الذي قدّم تعويضات للعديد من المرتزقة السلتيين والإغريقيين بهدف دفعهم للرحيل عن الأراضي القرطاجية والانسحاب. ومع تعثر المفاوضات مع بقية أفراد المرتزقة الليبيين، باشرت قرطاج حملة عسكرية للقضاء عليهم.

وللوهلة الأولى، واجه القرطاجيون صعوبات جمة في مقارعة المرتزقة وتلقوا هزائم عديدة قرب أوتيك (Utica) بالشمال الشرقي لتونس حاليا. لكن مع تعويض الجنرال حانون الأكبر بحملقار برقا (Hamilcar Barca) والد الجنرال القرطاجي الشهير حنبعل برقا، تمكن القرطاجيون من قلب الحرب لصالحهم حيث استغل الأخير دهاءه العسكري لمحاصرة المرتزقة والإيقاع بهم بمعركة واد مجردة. فضلا عن ذلك، لعب الدعم الذي قدّمه النوميديون بقيادة الجنرال الأمازيغي النوميدي نارافاس (Naravas) دورا هاما في حسم المعركة لصالح القرطاجيين الذين تمكنوا سنة 238 قبل الميلاد، أي بعد 3 سنوات من بداية المعارك، من حسم حرب المرتزقة، التي وصفت أحيانا بالحرب الأهلية، لصالحهم.

التخلص من المرتزقة

أثناء مفاوضات السلام، عمد حملقار برقا لاعتقال عدد من قادة المرتزقة من أمثال زرزاس (Zarzas) وسبينديوس وأوتاريتوس وصلبهم على مقربة من قرطاج. وأمام هذا الوضع، تجمّع مما تبقى من المرتزقة حول قائدهم ماتوس الذي فشل بدوره في مقارعة جيوش قرطاج وخاض آخر معاركه ضدهم عند منطقة لبتيس الصغرى (Leptis Minor)، قرب مدينتي لمطة وصيادة بتونس حاليا، أين أسر ليصلب فيما بعد بمدينة قرطاج. في الأثناء، لم يتردد القرطاجيون في إعدام من تبقى من المرتزقة، الذين قدرت بعض المصادر عددهم بنحو 40 ألف عنصر، بطرق مختلفة تراوحت بين الصلب وقطع الرؤوس.

Original Article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

%d مدونون معجبون بهذه: