ما بين عامي 1672 و1678، عاشت القارة الأوروبية على وقع الحرب الفرنسية الهولندية التي أسفرت في غضون 6 سنوات و5 أشهر عن مقتل حوالي 350 ألف شخص. وأثناء هذا النزاع، حصلت جمهورية هولندا على دعم من الإمبراطورية الرومانية "المقدسة" وإسبانيا وبراندنبورغ بروسيا.
في المقابل، ساندت كل من إنجلترا وإمارة مونستر الأسقفية (Prince-Bishopric of Münster) وكولونيا الفرنسيين ما بين عامي 1672 و1674.
وشهدت هذه الحرب حدثاً فريداً من نوعه عام 1672. فأثناء تلك الفترة، لم يتردد أسقف مونستر كريستوف برنهارد فون غالين (Christoph Bernhard von Galen) في استخدام سلاح كيماوي ضد الهولنديين خالقاً حالة من الذعر بين مختلف الأطراف المشاركة بالحرب الفرنسية الهولندية.
حصار خرونينغن
إلى ذلك جاء ذكر اقتراح السلاح الكيماوي منذ القرن السادس عشر. فمن خلال أعماله واقتراحاته المتميزة بالمجال العسكري كتصميم المروحية والمدفع متعدد الطلقات، اقترح العالم الموسوعي الإيطالي ليوناردو دا فينشي استخدام قذائف محشوة بالزرنيخ (Arsenic) والكبريت (Sulfur) لاستهداف قوات العدو وسفنه بعرض البحر. وبعد نحو 150 عاماً، لم يتردد أسقف مونستر كريستوف برنهارد فون غالين في تطبيق ما جاء به ليوناردو دا فينشي.
وأثناء حصار مدينة خرونينغن (Groningen) الهولندية ما بين 9 يوليو و17 أغسطس 1672، أمر كريستوف برنهارد فون غالين قواته باستخدام المركبات العضوية المشتقة من نبتة البيلادونا (Belladonna)، الملقبة أيضاً بالباذنجان المميت، لاستهداف القوات الهولندية بخرونينغن. ووفق مصادر تلك الفترة، تسببت هذه القذائف المليئة بالمواد الكيماوية في حالات من الغثيان والإغماء في صفوف الهولنديين، بقيادة كارل فان رابنهوبت (Carl von Rabenhaupt)، وأدت لوفاة عدد من الجنود.
أول اتفاقية عالمية
وعلى الرغم من اعتماده على هذا السلاح الكيماوي، لم يتمكن كريستوف برنهارد فون غالين من إخضاع خرونينغن، حيث فرض حصاراً على المدينة من الجهة الجنوبية فقط دون أن يتمكن من قطع خطوط إمداداتها. وتحت وطأة الهجمات المضادة التي شنها الهولنديون، اضطر لرفع الحصار والتراجع بعد أكثر من شهر متخلياً بذلك عن طموحاته بالتوسع داخل الأراضي الهولندية. وخلال الأسابيع التالية، خسرت إمارة مونستر الأسقفية العديد من الأراضي التي كانت قد انتزعتها من الهولنديين سابقاً.
يشار إلى أن خبر استخدام هذا السلاح الكيماوي أثناء حصار خرونينغن أثار قلق العديد من القوى الأوروبية. وللحد من استخدام مثل هذه الأسلحة، أبرمت كل من الإمبراطورية الرومانية "المقدسة" وفرنسا، اللتين مثلتا رفقة إنجلترا وإسبانيا أهم قوتين بأوروبا الغربية، يوم 27 أغسطس 1675 اتفاقية ستراسبورغ (Strasbourg) لمنع استخدام الأسلحة الكيماوية، ضاربتين بذلك موعداً مع التاريخ حيث مثلت هذه الاتفاقية حينها أول اتفاقية عالمية لمنع استخدام السلاح الكيماوي.