مثّل السكر سلعة باهظة بفرنسا خلال القرن السابع عشر، فمع سيطرة الفرنسيين على مارتينيك حصلوا على كميات وافرة من هذه الثروة.
ففي يوم 15 أيلول/سبتمبر 1635، حلّ الرحالة الفرنسي بيار بيلان ديسنامبوك (Pierre Belain d'Esnambuc) بجزيرة مارتينيك (Martinique) الواقعة بشرق البحر الكاريبي بعرض المحيط الأطلسي. وباسم الملك لويس الثالث عشر (Louis XIII) أعلن ديسنامبوك ملكية فرنسا لهذه الجزيرة البركانية التي ظلت متروكة لسنوات من قبل الرحالة والمستكشفين الأوروبيين.
وليومنا هذا ما تزال هذه الجزيرة مملوكة لفرنسا، ولإعمار مارتينيك، لم تتردد باريس في استقطاب عدد هام من المستعمرين الأوروبيين والعبيد الذين جيء بهم من القارة الأفريقية.
جزيرة هامة
ومع وصوله لمارتينيك، استقطب ديسنامبوك معه ما يقارب مائة من سكان جزيرة سانت كريستوف (Saint-Christophe) القريبة التي كان في وقت سابق حاكما عليها. ومنذ قدومه، شيّد هذا البحار الفرنسي حصن سانت بيار واتجه لتنفيذ وصية الكاردينال ريشليو بالتوسع سريعا على حساب جزر الأنتيل (Antilles).
وخلال نفس العام، لم يتردد أحد مساعدي ديسنامبوك في قيادة رحلة استكشافية أخرى قادته للنزول بجزيرة غوادلوب (Guadeloupe).
إلى ذلك، اتجهت المؤسسة الفرنسية للجزر الأميركية لاستغلال هاتين الجزيرتين بموافقة شخصية من الملك. وفي مقابل حصولها على امتيازات جبائية وحقوق استغلال الثروات، تعهّدت هذه المؤسسة بنقل أكبر عدد ممكن من المستعمرين الفرنسيين نحو هاتين الجزيرتين وقيادة حملات تبشيرية لسكانها الأصليين.
من ناحية ثانية، مثلت كل من غوادلوب ومارتينيك كنزا هاما للملك لويس الثالث عشر ووزيره الكاردينال ريشليو. فخلال تلك الفترة، استغلت هاتان الجزيرتان لتوفير حاجيات فرنسا من السكر الذي مثّل حينها سلعة باهظة الثمن. وللحصول على اليد العاملة بحقول قصب السكر، لم تتردد السلطات الفرنسية في نقل أعداد هامة من العبيد الأفارقة من مناطق كغينيا والسنغال وأنغولا.
تعدد النكسات بالجزيرة
وتحت سلطة الفرنسيين، عرفت مارتينيك فترة تاريخية مضطربة. فعام 1636، شهدت الجزيرة ثورة قادها السكان الأصليون ضد المستعمرين الفرنسيين. وعام 1664، منح الملك لويس الرابع عشر حقوق استغلال مارتينيك لشركة الهند الشرقية الفرنسية بدلا من المؤسسة الفرنسية للجزر الأميركية. وأملا في تنظيم العلاقة بين الأسياد والعبيد، أصدر الماركيز دي سينيلاي (marquis de Seignelay) القانون الأسود.
وفي عام 1763، شهدت مارتينيك مولد جوزيفين دي بوهارني (Joséphine de Beauharnais) زوجة الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت. وخلال ذلك العام، قدّر عدد سكان هذه الجزيرة بأكثر من 100 ألف ساكن كان نحو 80 بالمائة منهم من العبيد الذين جيء بهم من أفريقيا.
ومع اندلاع أحداث الثورة الفرنسية وإجهاض العبودية بفرنسا، رفض المستعمرون البيض بمارتينيك التخلي عن العبيد الذين مثلوا نوعا من اليد العاملة المجانية. وأمام هذا الوضع، فضّل القائمون على هذه الجزيرة الالتحاق بالبريطانيين لتتحول بذلك مارتينيك لمستعمرة إنجليزية. لكن مع توقيع معاهدة أميان عام 1802، عادت ملكية هذه الجزيرة مجددا للفرنسيين الذين وافقوا على عودة العبودية بناء على قرار صادر من نابليون بونابرت. وقد اضطرت مارتينيك لتحمل ويلات العبودية لسنوات أخرى قبل أن تجهض هذه الممارسة نهائيا العام 1848.
إلا أن هذه الجزيرة شهدت يوم 8 أيار/مايو 1902، ثورة بركان بيلي (Pelée) الذي دمّر مدينة سانت بيار بأكملها متسببا في وفاة 28 ألف شخص.