قرية ألمانية أقلقت أوروبا الغربية في الخمسينيات.. بسبب موقعها

قبل أزمة الصواريخ الكوبية مطلع الستينيات التي جعلت من جزيرة كوبا تهديداً حقيقياً للأراضي الأميركية في خضم الحرب الباردة، مثّلت قرية فوجيلسانغ (Vogelsang) الألمانية، الواقعة بالشمال الشرقي لمنطقة تسيهدينك (Zehdenick) التابعة لإقليم براندبورغ (Brandenburg) تحديا خطيرا لدول أوروبا الغربية. فعقب إرساء قواعد عسكرية سرية سوفيتية بها، أصبحت كبرى مدن غرب أوروبا في مرمى الصواريخ الباليستية السوفيتية.

تأسست فوجيلسانغ عام 1725. وفي البداية، كانت مكوّنة من مجموعة من المنازل قليلة العدد والمتباعدة قبل أن تتوسع وتطور مع مرور الزمن لتصبح منطقة بلدية مستقلة بحلول العام 1929. ومطلع القرن الـ19، كانت هذه القرية مملوكة لرجل واحد عمل بالمجال العقاري وامتلك العديد من الأراضي بها. وخلال العام 1850، شيد بهذه القرية أول طريق ربطها بالعديد من المناطق المجاورة. وبحلول العام 1882، ضُمت فوجيلسانغ لخط السكك الحديدية الذي سهّل تنقل سكانها نحو بقية أرجاء البلاد.

وانتظرت فوجيلسانغ نهاية الحرب العالمية الثانية وهزيمة ألمانيا، التي قُسمت لقسم شرق قابع لنفوذ السوفيت وآخر غربي موال للولايات المتحدة الأميركية وحلفائها، لتكسب مكانة عالمية هامة وغير مسبوقة بتاريخها وتتحول لحديث الخبراء العسكريين بحلف شمال الأطلسي "الناتو".

ففي خضم الحرب الباردة، أثار الموقع الاستراتيجي لفوجيلسانغ، بألمانيا الشرقية، اهتمام المسؤولين السوفيت حيث تميزت الأخيرة بوجود مناطق خضراء بجوارها اعتبرها الخبراء العسكريون السوفيت أدوات تمويه طبيعية. وبفضل تواجدها على ارتفاع 170 قدماً من على سطح البحر ووجود مياه نهر أودر (Oder) على مقربة منها، كان من السهل نقل الإمدادات لهذه المنطقة في حال إنشاء قاعدة عسكرية بها.

وعام 1952، شيّد الاتحاد السوفيتي قاعدة عسكرية كبيرة شمالي فوجيلسانغ عند مناطق الغابات الكثيفة. وقد احتوت هذه القاعدة على منازل، كانت قادرة على إيواء 15 ألف شخص من عسكريين وعائلاتهم، وزودت بمتاجر وقاعات رياضة ومدرسة ومكتبة ومستوصفات. وقد تضمنت الكتائب العسكرية المتمركّزة بفوجيلسانغ جنوداً من لوائي الدبابات 25 و162 وفوج المشاة 803 والفرقة المضادة للطائرات والصواريخ 1702. ومطلع العام 1959، زودت هذه الكتائب العسكرية المتمركزة بفوجيلسانغ بصواريخ باليستية نووية آر 5 بوبيدا (R-5 Pobeda) تجاوز مداها 1200 كلم. أيضاً، باشر السوفيت بتجهيز هذه القاعدة العسكرية بنقاط إطلاق لاحتواء صواريخ باليستية من نوع آر 12 ديفينا (R-12 Dvina) قادرة على حمل رؤوس نووية.

مطلع الستينيات، تحولت فوجيلسانغ لأول النقاط السوفيتية التي احتوت على صواريخ باليستية نووية وتواجدت خارج حدود البلاد. لذا تحولت فوجيلسانغ لمصدر قلق بالنسبة للخبراء العسكريين بحلف شمال الأطلسي حيث أصبحت مدن العديد من الدول الأعضاء في مرمى الصواريخ السوفيتية. وحسب تقارير انتشرت حينها، خصص السوفيت 4 رؤوس نووية موجودة بفوجيلسانغ لاستهداف مقاطعة نورفك (Norfolk) البريطانية بسبب احتوائها على قواعد لصواريخ تور (Thor) الأميركية.

وحسب التقارير السوفيتية حينها، أعلن المسؤولون السوفيت خلال أغسطس 1959 عن سحب الصواريخ الباليستية من فوجيلسانغ. لكن حسب الوثائق التي عثر عليها بسجلات ألمانيا الشرقية لاحقاً، ظلت الصواريخ السوفيتية موجودة بالمنطقة لأواخر الستينيات. كما تواصل تواجد القوات الروسية بفوجيلسانغ لحدود العام 1994، حيث غادر الروس، عقب انهيار الإتحاد السوفيتي وتوحيد ألمانيا، هذه القاعدة العسكرية التي تحولت لمدينة مهجورة.

Original Article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

%d مدونون معجبون بهذه: